فلاش باك (6)
"بما أن لا شيء يضيع مما تسجله عقولنا: كل صورة.. كل كلمة.. كل رائحة.. كل موقف.. فلأمد يدي إذن وألتقط الملف المطلوب عرضه في هذه الزاوية.. زاوية Flashback".
________________
موقف لا أحسد عليه..!
تعودتُ تشغيل بعض الأناشيد كخلفية لوعيي أثناء العمل.. وإن لم أكن مشغولا بعمل كتابي يستدعي التركيز الذهني أشغِّل إحدى المحاضرات الهادفة...وفي ذلك اليوم كنتُ أجلس بمفردي عندما دخل الغرفة بهدوئه المعتاد.. لكن هذه المرة كان يحمل هَمًّا كبيرا رأيتُه واضحا في عينيه..
لقد تعودتُ أن أقرأ الكثير من نظراته؛ حيث كان قليل الكلام كثير الصمت.. على عكسي تماما...!
احترمتُ صمته لفترة لعله يفضي إليّ بما يعتمل في صدره، لكن الصمت طال، وتنهداته الحارة الثقيلة تقطعه من حين لآخر..!
قررت المبادرة.. فسألته عما به؛ لعلي أقدر على مساعدته، وإن لم يكن فلأخفف عنه بالاستماع إليه... لكنه اكتفى بابتسامة صامتة تقول أن كل شيء على ما يرام..!إ لا أن هذه الابتسامة نفسها أخبرتني بأن أمرا جللا يهز حياته.. كدتُ أقسم على ذلك...!
ليس من شيمي تدخلي فيما لا يعنيني، ولو أن الموقف كان مع شخص آخر لتركته وشأنه.. لكني كنت أحبه بصدق، ويثقل عليّ أن أستمر في عملي ببساطة وهو في هذه الحال..!!
لذا حاولت الولوج إلى سريرته والتخفيف عنه بطريقة غير مباشرة؛ فشغَّلتُ أحد أناشيد الرقائق التي تتحدث عن فناء هذه الدنيا، وأنه ليس هناك ما يستحق الحزن عليه إن فات.. وأن على المرء الاهتمام بالآخرة لأن الراحة الحقيقية لن تكون إلا في الجنة... كانت الكلمات رائعة واللحن شجي وصوت المنشد الشهير رخيم عذب...
رأيتُ في عينيه تأثرا.. وحسِبتُ للحظة أنني أصبتُ الهدف، فتقدمت خطوة أخرى.. ورحتُ أحدثه - بلهجة الخبير الذي عرك الحياة وعركته - عن المصائب التي تبدأ كبيرة وتصغر مع الأيام.. وعن الفرص التي إن ضاعت - مهما كانت عظيمة - فإن غيرها تأتي لا محالة.. وعن الصحة التي ما دمنا نتمتع بها فإن كل بلوى تهون..!!!
كل ذلك وهو يستمع إليّ دون أن ينبس ببنت شَفَة..!
وفجأة دق جرس الحصة؛ فاضطررتُ لأن أتركه، واستأذنته على وعد بأن نكمل حديثنا بعد انتهائي من حصتي...!!!!
في اليوم التالي لم يأتِ إلى المدرسة، وعرفتُ أنه في إجازة لأجل غير مسمى..!
* * * * *
مر شهر كامل ونحن نعوده في المستشفى.. كان خلالها يذبل تدريجيا من أثر السرطان.. ثم سافر - بعد إلحاح من الأطباء - إلى الوطن.. ليموت بعد عودته بيوم واحد...!ا
الكل بكى على فراقه.. لكن بكائي كان يحمل طابعا آخر.. طابعا من الحزن الممزوج بالمرارة وتأنيب الضمير....!
ففي جلستنا تلك... كان الطبيب قد أنبأه لتوه بمصيره...!!!
كان درسا قاسيا للغاية علمتنيه الحياة..
بل صفعة تذرف لها دموعي حتى الآن كلما تذكرتها...!!
فقط .... أريد أن أتأسف له..!!
هناك 21 تعليقًا:
لا حول ولا قوة الا بالله
انا لله وانا اليه راجعون
اصعب حاجة علي الانسان انه يبقي عارف انه ميت
ساعتها مفيش داعي للكلام ولا لاي حاجة
الموت القاتل
البقاء لله يا استاذ ماجد
وادعيله بالرحمه لان ربه احن عليه من اي حد تاني
وللاسف الموت هنا بيبقي ارحم من عذاب المرض
انا لله وانا اليه راجعون
wasf_elahsas :
جزاك الله خيرا أختي الكريمة على المشاعر الطيبة..
لكن هذه الحادثة كانت منذ بضع سنوات... إلا أنني لم اقو على الكتابة عنها إلا اليوم...
شرفتي المدونة من جديد..
تحياتي.
السلام عليكم ورحمة الله
انا لله وانا اليه راجعون
البقاء لله وحده اخى الكريم
قدر الله وماشاء فعل
قصتك ذكرتنى بشىء مماثل قد حدث لى
واعلم شعورك واحساسك بالذنب اراحك الله وخفف عنك
كانت لنا قريبة اتتنا زائرة وطلبت ان تسلم على وكنت مشغولة فى امور وتاخرت عليها وغادرت دون ان ترانى وكانت مريضة ايضا واليوم التالى علمنا بخبر موتها وهذا ايضا من سنوات لكن الحادثة ظلت عالقة بنفسى والوم نفسى بشدة عليها لانى كنت احبها كثيرا وكانت تشبة امى فى الملامح والطباع
اعلم اخى ما تشعر به غفرالله لى ولك
ورحم الله موتانا
لكن ليس لنا الا ان نقول قدر الله وماشاء فعل وليرحمنا الله جميعا
اشكرك اخى الفاضل كلماتك حركت مشاعر قديمة واتاحت لى فرصة الاستغفار
تحياتى لك
لماذا تأنيب الضمير
هل لأنك لم تشعر بما هو فيه!
لا تثقل على كاهلك بحمل ليس لك يد فيه
ربنا يرحمه ويغفر له ويذكرك دايما بأنك تدعيله
ماجد
عجبنى جدا تعليق موناليزا
مش حاقول احسن منه
تحياتى
اخي ماجد
فعلا انت ملكش ذنب
المهم هو ان ده شخص قريب منك يعني الرساله
للناس اللي حواليه وليه قبلهم كلهم
سعدت جدا بمدونتك الجميله
تحياتي
لا تعليق ...
LOLOCAT :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
صراحة أختي الكريمة ليس الأمر شعورا بالذنب بقدر ما هو استرجاع لإحساس مؤلم عندما أتخيل مشاعره في وقت حديثي إليه..
تحياتي وتقديري.
موناليزا:
والله ما نسيته أختي الكريمة.. وأدعو له دائما..
وليس الأمر تأنيب ضمير -كما قلت للولو كات- ولكنها حالة إنسانية شديدة الحساسية والتأثير...
فكلما تخيلت مشاعره في تلك اللحظات .. الموت يزحف علي ببطء مخيف.. القبر صار باديا لعيني .. أولادي سييتمون عما قريب.. زوجتي سوف ترمل... أقبلت على حساب ربي.. كل ذلك وهناك من يحدثني عن الحياة الدنيا ونعمة الصحة التي نرفل فيها... أي ألم وأي قسوة هذه...
فقط عندما أستشعر الأمر من هذه الزاوية يعتصرني الألم...
آسف على هذا الجو الكئيب..
شكرا على متابعتك وتحياتي..
sal:
أيضا سأحيلك إلى ردي على موناليزا..
شكرا أخي الكريم على متابعتك الدائمة..
تحياتي.
ماجد العياطي:
مرحبا بك أخي ماجد في المدونة.. شرفني تعليقك على الموضوع..
حقيقة أنا لا أشعر بالذنب بقدر ما هو تعايش مع الحالة.. (راجع ردي على موناليزا)...
سعيد بإعجابك بالمدونة...
أتمنى ألا تكون هذه الزيارة هي الأخيرة..
تحياتي
قطرة وفا:
يكفيني أختي الكريمة تفضلك بدوام متابعة المدونة...
أشكرك جزيلا.. وتحياتي.
استاذ ماجد
انا مع موناليزا وسال
ليه تأنيب الضمير لم كنت تعرف هذا
ومع ذلك حاولت تخفف عنه
ربنا يرحمه ويغفرله
تحياتي لمشاعرك واحساسك
Haytham Alsayes :
شكرا جزيلا يا هيثم على مرورك..
وأيضا سأحيلك إلى ردي على موناليزا..
نورتني كالمعتاد...
على فكرة عجبني موضوع رباعيات ونتقابل هناك :)
تحياتي.
الله يرحمه ويغفر له
وتأنيب الضمير يمكن يكون ناتج عن شدة التعاطف معاه
واحسن الله عزاك فيه
و قد تداعبنا الحياة أحيانا دعابات ثقيلة الظل
معذرة على التعليق الذى ربما يكون ثقيل الظل أيضا
لكن ربنا عالم أنا حسيت الموقف دا بالذات قد ايه
مبدعه :
جزاك الله خيرا أختي الكريمة على المشاعر الطيبة..
شكرا على متابعتك ... وتحياتي.
أحيي مشاعرك الطيبة ومعدنك الأصيل
ونشكرلك أنك شاركتنا معك هذا الدرس
منتحرة بخنجر الحرف:
عارف يا دكتورة... ومتأكد من مشاعرك...
ما تغيبيش علينا كتير...
بالمناسبة إنتي معزومة البوست القادم في المدونة.....!
ما تنسيش تيجي..
محمد الجرايحى :
وأحيي كلماتك وثناءك الرقيق.. نعم .. أحسب أن التشارك في الدروس والفوائد من أهم أهداف تواصلنا نحن المدونين..
شرفتني أخي الكريم..
تحياتي وتقديري.
لماذا جلد الذات يا عزيزي ؟
أرى فيما فعلت عملاً جيدًا لا يستحق أي تأنيب أو تقريع للذات .
هذا دورنا أن نخفف آلام بعضنا مهما كان حجم تلك الآلام ومستواها وأسبابها .
أصابني الموقف الذي عرضته بحزن وكآبة ليس على تصرفك ، بل على هذه الأرواح التي تقضي حتفها بالآلاف نتيجة لأمراض خبيثة أصابت شعبنا بسبب بعض الخبثاء الذين أرادواتحقيق مكاسب خبيثة على حساب صحة شعب ومستقبل أمة .
هذه هي الكارثة الحقيقية يا صديقي . والمؤسف أن الطابور أطول مما نتصور ، والأمراض أكثر من أن تُحصى .
رزق الله المرضى وذويهم الصبر ، ورزقنا الصحة ، ورزق أمتنا قوة تحمي أبناءها من براثن المفسدين الطغاة الآثمين.
إرسال تعليق