الخميس، يونيو 23، 2011

40 ومضات (15): طلابي.. و"سيادة القانون"...!!!


طلابي.. و"سيادة القانون"...!!!



كثيرا ما يصادف المعلمون - وأنا منهم - مثل هذا الموقف في الفصل..

أحد الطلاب المشاغبين يتعدى على طالب آخر أمام المعلم.. وقبل أن يهم هذا الأخير بإخراج المتعدي لعقابه، يفاجأ بالمُعتدَى عليه وقد فقد أعصابه فيرد الاعتداء سريعا - ثأرا لكرامته التي أهدرت أمام بقية الطلاب - دون انتظار عودة حقه بـ(سلطة القانون) التي يملكها ويمثلها المعلم - حاكم الفصل-..!!!
ويكون رد فعل المعلم - الحاكم - أن يقوم بمعاقبة الطرفين دون تفرقة بينهما - غالبا ثأرا لكرامته هو هذه المرة -..! وبهذا يتساوى الطرفان لديه وتضيع القضية الأصلية..!!!

ولم أكن - في بداية عملي في التدريس - بدعا من أولئك المعلمين.. لكن في ومضة من الومضات التي ينعم بها القدر على عقلي، تنبهت إلى خطأ المعلم في رد فعله هذا من الجانب الشرعي.. ثم صار رد فعلي بعد ذلك فيه بعض الاختلاف؛ فأصبحت أفرق بين العقوبتين جاعلا عقوبة الأول أشد من عقوبة الثاني.. كما أحرص للغاية على أن أوضح أمام الطلاب جميعا - وفيهم طرفا النزاع ضمنيا - سبب اختلاف العقوبتين (بمعنى آخر: أوضح لهم حيثيات الحكم!)(1)؛ حيث لا أساوي بين من بَيَّتَ النية للاعتداء فقام به بوعي كامل تجاه زميله مهينا قيمة احترام المعلم ابتداءً، وبين ذلك الذي كان اعتداؤه ردَّ فعل نتج عن لحظة غضب سيطرت عليه بسبب جرح كرامته(2)..!!!! ثم أوضح لهم عاقبة الافتئات على سلطة القانون؛ إذ غالبا ما يضيع معه حق المظلوم، فضلا عن - وهو الأهم والأخطر - ضياع هيبة ذلك القانون، وتحول الأمر إلى فوضى.. وهو المرفوض شرعا وعرفا..!!!!

يرى بعض الزملاء أنني (أكَبِّر) الموضوع، وأنه مجرد (خناقة) بين طالبين، ولا يستحق معه الحديث عن هذه المعاني (الضخمة)..!!!
لكن ما يدفعني إلى ذلك - عن قناعة - استفادتي من أحد أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعليم الصحابة - رضى الله عنهم -.. وهو التعليم بالموقف.. حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يستفيد من بعض الأحداث التي تصادفه هو والصحابة فيطرح من خلالها بعض المعاني والقيم والمفاهيم.. وتتكفل قوة تأثير المعايشة الحية والطازجة للحدث بربط هذه المفاهيم ارتباطا شرطيا في أذهانهم يصعب أن يزول..!!!!!

* * * * *

هل أنتَ معي في ذلك.. أم أن الموضوع فعلا لا يستحق كل تلك السطور التي أهدرتها آنفا..؟!  :)     
ومن قبيل التقليد لطريقة أختنا (موناليزا) التي تضيف إلى الموضوع وتثريه: هل تذكر موقفا من السيرة للتعليم بالموقف؟   
____________
(1) أرفض بشدة أن يعاقب المعلم طالبا - مع اعتقاد هذا الطالب أنه مظلوم - دون أن يوضح له سبب عقابه.. صحيح أن هذا الطالب قد لا يقنتع وقتها، لكنه - بالتأكيد - سيفهم ذلك عندما يكبر؛ وحتى لو بقى مقتنعا بعدم خطئه، فأعتقد أنه لن يحمل وقتها ضغينة تجاه معلمه؛ لأنه سيدرك أن ذلك المعلم - على الأقل - كان حريصا على ألا يظلمه..!! 
(2) ما يجعلني أقدر موضوع (الكرامة المهدرة) - ربما بشكل مبالغ قليلا - هو تفهمي للبيئة القبلية التي ينشأ فيها الطلاب هنا في الكويت.    

الاثنين، يونيو 20، 2011

26 فلاش باك(1): بلا إحساس!

فلاش باك.. "بما أن لا شيء يضيع مما تسجله عقولنا: كل صورة.. كل كلمة.. كل رائحة.. كل موقف.. فلأمد يدي إذن وألتقط الملف المطلوب عرضه في هذه الزاوية.. زاوية Flashback".
________________
بلا إحساس!

كنت متوقفا بالسيارة أنتظر اخضرار الإشارة الضوئية..كانت الشمس في مواجهتي، لكن نظارتي السوداء تحميني من وهجها الحارق.. أخذت أجول بعيني في تململ هنا وهناك، فوقع بصري عليهما عبر المرآة الوسطى..
كانا يجلسان في السيارة التي تليني مباشرة، والشمس -المواجهة لهما بدورهما- تظهر لي بوضوح المشهد الذي جذب انتباهي بقوة..
هو يرتكز بيديه على عجلة القيادة ويتحدث بكل انفعال -يصل إلى حد الصراخ- دون أن يلتفت إليها مرة واحدة؛ ففهمت أنه يتحدث عبر هاتفه الخلوي مستخدما سماعة أو ما شابه.. خاصة أنها كانت تجلس بجواره تحدق إلى الأمام بنظرة صامتة لا تحمل أدنى انفعال..
مرت لحظات ليست قليلة، تنبهت بعدها مع زيادة انفعاله وإشاحته بيده والالتفات إليها من حين إلى آخر أنه لا يحمل هاتفا ولا يعلق سماعة في أذنه.. بل يحادثها هي.. هي بالذات..!!
انتابتني الدهشة الشديدة؛ فهي - رغم انفعاله المتصاعد - لا تحرك ساكنا..!
قلت في نفسي: لا بد أنها من النوع الهادئ الذي يستطيع مواجهة انفعال الآخرين ببرود أعصاب يُحسد عليه!!
ومرت لحظات أخرى -هل حقا كانت كذلك!- قبل أن ألمح فجأة تلك الدمعة الحارة التي انسابت فجأة على وجنتها.. أيضا بنظرة صامتة ودون أدنى انفعال..!!
وفي نفس اللحظة التي تحولت فيها الإشارة الضوئية من الأحمر إلى الأخضر.. وقبل أن أنطلق في طريقي.. فرت دمعة تأثر مرتجفة من عيني أخفتها نظارتي السوداء..!
عفوا سيدتي.. كنت أظنكِ بلا إحساس.. بينما كنتِ كَبَحرٍ هادئٌ سطحه تصطرع الحيتان في باطنه!!!

26 بحب..(4): معشوقتي الدائمة..! (الجزء الثاني) + تحديث

معشوقتي الدائمة..!
(الجزء الثاني)

___________________________________
.......... التحديث في نهاية الموضوع ...........
___________________________________

إذن هل التحديات العديدة التي تواجهها (اللغة العربية) تمثل خطرا حقيقيا عليها للدرجة التي تمثل تهديدا بالانقراض كما يزعم بعض الباحثين؟؟!!!!
قبل أن أطرح الرد من وجهة نظري.. فلنتعرف أولا - في لمحة شبه سريعة - على أهم تلك التحديات المزعومة...

* * * * * 

(1) العامية مقابل الفصحى

يعتقد بعض المتابعين أن أهم المخاطر التي تواجه (اللغة العربية) هو إغراقنا في التحدث بالعامية، فضلا عن تطعيم تلك العامية بكلمات أعجمية (إنجليزية، وفرنسية في الغالب)..
أنا صراحة أرى أنه لا مشكلة من استخدام العامية.. فهذه طبيعة الأمور.. والألسن تميل إلى ذلك في كل مكان.. بل كان هناك لهجات متنوعة للعربية الفصحى نفسها وقت سيادتها على ألسنة أهل الجزيرة، والتشريع الإسلامي - الذي لم يأتِ لمصادمة الطبائع البشرية - اعترف بهذه اللهجات، لدرجة أنْ تَـنَـزَّل القرآن على لسان جبريل - عليه السلام - بأشهر سبع لهجات عند العرب(1).
أما عن استخدام الكلمات الإعجمية خلال الحديث.. فأرى - مع ما قد يظهره البعض من دهشة - أن السطور السابقة تنطبق عليها؛ ولا أرفضها إلا في حالتين:
1- أن يكون مقصد المتحدث بالكلمات الأعجمية هو التباهي على من لا يفهم كلماته من الحضور.
2- أن تُضيع كلماته الأعجمية أجرا بإزاحتها ألفاظا شرعية مقابلة؛ كاستبدال (جزاك الله خيرا) للشكر بـ(ميرسي)(2).. أو استبدال (سبحان الله!) للدهشة بـ(واااااو).. أو استبدال (السلام عليكم) للتحية بـ(هاي).. هكذا..!(3)    

* * * * *

(2) قاموس (رِوِش طحن)

أو قاموس (الرَّوْشَنة).. وهو قاموس بالمعنى الحرفي لا المجازي.. جمع فيه المؤلف (ياسر حماية) تلك الألفاظ التي انتشرت  بشكل خاص بين الشباب منذ عقد التسعينات من القرن المنصرم، وهي ألفاظ ذات دلالات كان لا يفهمها إلا تلك الفئة في البداية نظرا لانتشار الفساد الصارخ وانفصال شريحة ضخمة من الشباب عن واقع وطنها يائسة من إيجاد دور لها في تغيير منشود.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لانفصال هذا الشباب عن الأجيال الأكبر سنا التي انشغلت بتحصيل لقمة العيش وعدم تفرغها لمجرد التعرف على مشاكل أولئك الشباب فضلا عن فهمها!!.. ثم لم تلبث تلك الألفاظ (الرِّوشة) - غالبا بتأثير الدراما - أن فرضت نفسها فرضا على بقية المجتمع تقبلا ومن ثم استخداما..!!

ورأيي هنا تجاه هذه الألفاظ لا يختلف كثيرا عن رأيي في استخدام العامية، لأن طفو هذه الألفاظ على السطح وسيطرتها على الألسنة لا يجعلها في صراع أو مواجهة مع العربية الفصحى بقدر كونها - في حقيقة الأمر - في مواجهة مع العامية(4).. ودعنا نتفق مبدئيا على أن تلك الألفاظ (الروشة) لا تخالف أمرا شرعيا.. إذن الحديث عنها سيرتبط بالعرف.. وهنا اسمح لي أن أقول - وأرجو ألا أصدمك -: إذا كانت ستؤدي ما تؤديه العامية وارتضاها عرف المجتمع، فما المانع من استخدامها؟! خاصة أن مجال التوسعة والتضييق في استخدامها يدركه كل أحد، ويعرف كل شاب متى - ومع من - يصبغ كلامه كاملا بتلك الألفاظ، ومتى - ومع من - يكتفي بتطعيمه بها، ومتى - ومع من - يخفيها تماما من حديثه..!
ولا ننسى - في هذا السياق - أنه في يوم ما كانت كلمتا (كَبَّر) و(طَنِّش) - اللتان هما دلالة على تجاهل أمر ما وعدم الوقوف عنده طويلا - تمثلان لدى الكثيرين خطرا على العامية فضلا عن تمثيلهما لمستوى منخفض ثقافيا في المجتمع.. ولم تلبثا أن صارتا من لب العامية المصرية دون أن تثيرا أدنى استنكار أو استهجان لدى المجتمع..!!!!    

إذن شخصيا ليس لي تحفظ على استخدام قاموس الروشنة إلا في ثلاثة مواضع:
1- أن يكون اللفظ (الروش) ذا دلالة بذيئة، أي مرادفا لسباب أو شتيمة (وهذا طبيعي حتى في العامية العادية).
2- أن يكون بديلا عن لفظ شرعي؛ كاستبدال (ما شاء الله!) للاستحسان بـ(قشطة).. وهكذا.
3- أن يعطي انطباعا بعدم احترام المخاطب سيما لو كان اللفظ ما زال غير مقبول في مجتمع بعينه أو بيئة بعينها.

* * * * *

(3) في الدعوة والأدب.. الفصحى أم العامية؟

فلنجب - في سبيل ذلك - عن هذا السؤال أولا: ما وظيفة اللغة لدى الدعاة أو الأدباء؟ أليست هي مجرد وسيلة للتواصل مع المستمعين والقراء لكي تصل الرسالة المرجوة؟ إذن فكل ما يسهل هذا التواصل يمكننا استخدامه بكل بساطة.. ودعني أرجع لقاعدتي الأساسية في تقييم الأمور الخلافية.. فطالما أن أسلوب التواصل لن يخالف أمرا شرعيا فلا حرج من استخدامه.. وفي حالتنا هذه يُترك الأمر لكل صاحب رسالة (داعية أو أديب أو إعلامي) أن يستخدم أنسب وسيلة لمخاطبة جمهوره المستهدف.. فهناك جمهور لا يصلح معه إلا الفصحى، وآخر لا يفهم إلا العامية، وكل من الفصحى والعامية لها درجات ومستويات متنوعة يقدرها صاحب الرسالة، وبقدر إدراكه لجمهوره وطبيعة (اللغة) التي يجب مخاطبته بها بقدر ما يكون نجاحه. مع الانتباه إلى استخدام أرقى مفردات في (اللغة) التي سيستخدمها. 
ومن الجدير بالذكر أن كل نبي (والأنبياء هم أصحاب أعظم رسالة على وجه الأرض) كان يرسله الله - عز وجل - بـ(لغة قومه)؛ لكي تكون أسهل طريقة للوصول إلى أفهامهم..!

* * * * *

الآن نعود إلى السؤال الأصلي الذي بدأنا به موضوعنا: هل هناك خطر حقيقي يهدد بانقراض (العربية الفصحى)؟ 

مبدئيا أرى أنه من المشقة بمكان أن أدعو الناس - سيما العوام - للتحدث بالفصحى ولو مرحليا.. لأنني أرى - ببساطة - أن ذلك لن يمثل إلا حرثا في الماء..! 

ناهيكَ عن أن التجربة أثبتت فشل المحاولات العديدة لتحبيب الناس في (اللغة العربية) فضلا عن تحدثهم بها..!!!
وهذه ليست إشارة مني لعدم أهمية (العربية) أو دعوة إلى تركها.. كلا كلا.. ولكنني أعتقد أن الحل سيأتي عندما تتحول أنظمتنا التعليمية إلى احترام هويتنا إجمالا، والاهتمام بشكل خاص بتعليم (القرآن الكريم) و(اللغة العربية) وإعطاء كل منهما حقه ومستحقه كباب وطريق إلى استرجاع هويتنا وقيمنا في مقابل الهويات والقيم التي تفرضها علينا (العولمة) بكل أسلحتها الشرسة.. وقتها فقط - تلقائيا وفي سنوات قليلة معدودة وبأقل مجهود ممكن - سيظهر جيل جديد ذو هوية عربية قلبا وقالبا ومحب تلقائيا لكل مفرداتها بما فيها اللغة التي تمثلها.
وصدقوني.. من أسهل الأمور تدريب الألسنة على نطق العربية..
ألا تصدقون؟ حسنا.. فليترك كل منكم ابنه أمام الكرتون الناطق بالفصحى لمدة أسبوع فقط.. ثم ليحاول أن يحدثه بها.. وسينبهر من النتيجة..!! 
ولا يجب أن ننسى في هذا المقام أن (اللغة العـبـرية) تم إحياؤها من موات كامل في سنوات قليلة لمجرد أن أهلها احترموا هويتهم واستشعروا أهمية لغتهم في تمييزهم عن بقية الشعوب..!!

أما أن (العربية الفصحى) يهددها خطر الانقراض.. فهو زعم - لو تعلمون - عجيب.. نعم.. كان حريا بهذه اللغة أن تنقرض أو تتبدل كليا كغيرها من اللغات، وهي ليست بدعا منها.. لكنها تتميز عنها بأنها محفوظة من قِبل الله - عز وجل -.. ذلك أن حفظ القرآن الخالد - بوعد ربنا لنا - هو بلا ريب حفظٌ لوعائه الذي هو (العربية). فتجد المتحدث بالعربية الآن يفهم العربية التي سادت منذ أكثر من 1400 عام، على العكس مثلا من متحدثي الفرنسية الذين يستحيل عليهم فهم الفرنسية التي سادت منذ 400 عام فقط...!!!

* * * * *

في الجزء الثالث - بإذن الله - سأقتصر على تقديم هدية لن يقدر أهميتها وجمالها - في ظني - إلا محبي العربية.
دمتم سالمين.
..................................................................

التحديث
كنت أنوي - كما هو واضح - تقديم هديتي في جزء ثالث.. لكني عدلتُ عن ذلك في سبيل جعلها في صفحة خاصة ثابتة يمكن لكل زائر العودة إليها في أي وقت...
وهديتي ستجدها في هــــــــــــــذا الرابـــــــــــــط جزاء وفاقا على صبرك علي لجزءين كاملين!!!!  :) 
أرجو لكل مدون محب للكتابة بالعربية الفصحى أن يستفيد منها أكبر استفادة.. على ألا ينساني من دعائه.     
_______________
(1) كان الهدف من هذا في البداية هو سهولة فهم العرب جميعا للقرآن ومن ثم تقبلهم له.. ثم قام الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) - رضي الله عنه - بتحريق كل المصاحف التي كتبت بلهجة غير لهجة قريش لأسباب ليس هذا مجالها.. المهم أن ذلك كان بإجماع من الصحابة في عصره، أي أن هذا الاجتهاد - الـمُجمَع عليه - صار تشريعا في حد ذاته كالقرآن والسنة.. وصارت القراءة المعتمدة لدى المسلمين هي التي بلهجة قريش. وبالمناسبة هذه القراءات غير القراءات السبع أو العشر المشهورة عن الطرق المختلفة لمشاهير القراء. 
(2) الصحيح لغويا - على غير الشائع - أن استبدال تعني الجديد لا القديم، كالقول: "استبدل حسين (سيارة جديدة) بـــ(سيارته المعطلة القديمة)".. [لاحظ هنا أن الباء تدخل على الملغي].
(3) لعدم سيطرة اللغة الأجنبية على ألسنة أبنائنا.. أنصح هنا من يفضل مدارس اللغات لأبنائه أن يختار لهم تلك التي تهتم بجدية باللغة العربية والقرآن الكريم (وهي متوافرة بكثر حاليا ولله الحمد).. وإن لم يجد فليحرص على تعليمهم القرآن بأحكام التجويد على يد شيخ متقن؛ فهذا أكبر مقوم وحافظ لألسنة أطفالنا الدارسين في تلك المدارس.
(4) طبعا أقصد هنا العامية المصرية.. ولا أعرف بشكل دقيق إن كانت هناك (قواميس) مشابهة لدى شباب الدول العربية الأخرى أم أن هذه الظاهرة مرتبطة بالبيئة المصرية فقط..!! وإن كانت كذلك فهذا يستدعي بحثا ودراسة من أهل التخصص لتفسير خصوصية هذه الظاهرة لدى الحالة المصرية..!!!! 

الجمعة، يونيو 17، 2011

36 بحب..(3): معشوقتي الدائمة..! (الجزء الأول)


معشوقتي الدائمة..!
(الجزء الأول)

لو أنكم تذكرون فإن الهدف من هذه السلسلة [مثلما عرضتُ في العنوان الثاني من هذا الرابــــــــــطهو أن أتحدث فيها عن الأشياء التي أحبها في الحياة؛ لأن هذا حري بأن يضع النفس في جو خاص من الراحة والبهجة في مقابل الأحداث الجسام التي تحيط بنا وتخترق أفكارنا ومشاعرنا كل يوم بل كل ساعة...!


واليوم أحدثكم عن معشوقتي التي لا أعرف - صدقا - كيف صارت كذلك..!!!
عندما أعود بالذاكرة إلى الوراء وأسترجع تلك الليلة القاتمة العصيبة أدهش بشدة من أنها كانت ليلة التحول المفاجئة لمشاعري تجاه معشوقتي من الضد إلى الضد...!!!!
كانت ليلة من تلك الليالي التي يعرفها كل طالب ينتظر امتحانا في الصباح التالي لمادة لم يتعرف عليها من قبل ولا يفقه منها كلمة واحدة..!
هل تعرف مشاعر ذلك الطالب؟ هل مررت بهذه التجربة المروعة يوما؟ لو كنتَ كذلك فقد وفرت علي سطورا من الوصف لمشاعر لا أريد استرجاعها بعد هذا الزمن الطويل...!!!
عشت تلك الليلة وأنا في الصف الثاني المتوسط(1).. وكانت هذه المادة هي (اللغة العربية).. وبدأت الكارثة - أو للدقة الانتباه إليها - عندما راحت والدتي تراجع معي معلوماتي في (النحو) الذي سيشكل جزءا كبيرا من الامتحان غدا.. فإذا بها تجد أمامها تمثالا مجسما للجهل الأقرب للبلاهة؛ إذ لا يعرف أصلا ما المقصود بـ(النحو)..!!!!
بالطبع دُهِشت بشدة هي وأخي الذي يكبرني بسنوات أربع.. وظلا يسألاني لمدة 10 دقائق أسئلة متنوعة في (النحو) ليتأكدا بعدها من أن الكارثة حقيقية.. أي أنني فعلا لا أدعي البلاهة..!!

وهنا بدأ أخي - في مبادرة لن أنساها له - في تهدئتي، وأخذ يشرح لي بهدوء (كورسا) مكثفا في النحو بداية بالتمييز بين (الاسم) و(الفعل) و(الحرف)، مرورا بأنواع الجمل وأنواع الأفعال، والأفعال الناسخة (كان وأخواتها) والحروف الناسخة (إن وأهواتها).. وانتهاء بطريقة الإعراب الصحيحة لجميع مكونات الجملة - اسمية كانت أو فعلية - من مبتدأ وخبر وفعل وفاعل ومفعول..!!!
ولم تنتهي الليلة حتى صرتُ إنسانا آخر -إن جاز التعبير-.. إنسانا يعرف أهم مفردات (النحو).. إنسانا يفهم (النحو).. والأهم من ذلك.. إنسانا يعشق (النحو)..!!
وبما أن (النحو) هو الباب الصعب الذي يمنع الكثيرين من الولوج إلى عالم (اللغة العربية)، بل يخيفهم منها.. فما إن انفتح لي هذا الباب حتى دخلت إلى ذلك العالم الممتع أشد الإمتاع.. عالم (اللغة العربية)..!!

أي عصا سحرية كان يمسك بها أخي ليربِّتَ بها على صدري فأصبح ذلك العاشق الولهان للغتنا الحبيبة..؟!
صدقا لا أدري..!!
لكن كل ما أعلمه أنني منذ ذلك اليوم صرتُ متيما بها.. بـ(اللغة العربية)..!!!
ومع الأيام رحت أعب عبا وألتهم التهاما أي دراسة أو بحث أو مقال يدور عنها أو في فلكها.. وبشكل خاص كل ما يدور عن علم (النحو)..
وعندما صرت في الصف الثالث الإعدادي كم كانت فرحتي غامرة عندما علمت أن في الدنيا علما يسمى علم (الصرف).. وتضاعفت سعادتي عندما تعرفت في الصف الأول الثانوي على علم رائع آخر يسمى (البلاغة)... حقا لم أكن أعلم أن الحياة تحوي أشياء مبهجة لهذه الدرجة...!!!!   

ولكن يبدو أن سحر تلك الليلة لم يصبني كاملا (!!)؛ فلم أستطع أبدا أن أحب الشعر أو الخواطر الأقرب في نظمها إلى الشعر.. وطالما بحثتُ عن السبب في حيرة.. لكن أقرب الإجابات إلى ذهني أنني لا أحب الغموض.. وللأسف معظم ما أقرؤه من شعر أو خواطر يلفه الغموض.. فلم أتذوق يوما إلا شعرا ذا أفكار جلية ومفردات واضحة.. وربما لهذا السبب أحببتُ أشعار القرضاوي والعشماوي وهاشم الرفاعي ومطر...!!

* * * * * 

وتعددت مظاهر حبي المفرط لـ(الغة العربية).. حيث اهتممت بتحسين خطي - باستخدام كتب خاصة - إلى أن صار معروفا لدى المدرسين على مستوى المدرسة.. وطوال المرحلتين الإعدادية والثانوية كانت درجتي في مادة (الإملاء) و(النحو) هي النهائية دائما، وحتى مادة (التعبير) فكنت كثيرا ما أحصِّل فيها الدرجة النهائية...!!    
هذا فضلا عن اتفاقي مع اثنين من رفاقي - ممن يشاركونني حب العربية - على أن نتحدث فيما بيننا بالفصحى فقط، تدعيما لإتقانها والتعود عليها... طبعا فقط بيننا، وإلا فلن نسلم من سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين..!!!  :)

* * * * *

ثم فيما بين نهاية المرحلة الإعدادية وبداية المرحلة الثانوية حدثت ثلاثة أحداث ساعدت على مزيد من إتقاني لـ(اللغة العربية)، ومن ثم على مزيد من غرس حبها في قلبي:

أولها: بداية قراءتي المنتظمة للقرآن الكريم (عن طريق وِرْدٍ يومي ثابت)؛ فكان أن تعاملتُ مع أعظم نص يمكن أن تظهر من خلاله عبقرية وروعة وعذوبة وغنى هذه اللغة.. وأضحى الأمر بمثابة معادلة ذات طرفين كل منهما يؤدي إلى الآخر.. حبي للعربية زادني فهما للقرآن ومن ثم حبا له وقربا منه.. وزيادة فهمي للقرآن زادتني توغلا في (اللغة العربية) واكتشافي آفاقا رحبة جديدة في عالمها الرائع الفسيح.. وهكذا باستمرار.. كلما ارتفع مقدار طرف ارتفع مقدار الطرف الآخر تلقائيا..!

وثانيها: قراءتي في وقت قياسي لكتاب (النحو والصرف) الذي يشمل قواعد النحو جميعها، والذي استلمناه في بداية المرحلة الثانوية للقراءة الحرة، مما دعم عندي تذوق القرآن وفهم الكثير مما استغلق عليّ من تراكيبه، وهو ما أدى - بالتالي - إلى مزيد من الارتباط بـ(اللغة العربية).

أما ثالثها: فكانت نصيحة قدمها أحد مدرسي (اللغة العربية) في لقاء إذاعي مدرسي معه عندما سئل عن أفضل الوسائل التي تزيد الثروة اللغوية لدى الطلاب.. حيث أخبر أن السبيل إلى ذلك أن يهتم الطالب بجمع مرادفات مختلفة للكلمة الواحدة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. وأذكر يومها أن بهرتني الفكرة وجذبت انتباهي بشدة (أليست طريقة جديدة للتودد إلى معشوقتي؟).. 
وفي نفس اليوم بدأت أدون في الغلاف الداخلي لكتاب النصوص الكلمات التي أعرف لها أكثر من مرادف، وكنت أظن أنني سأستغرق وقتا طويلا لأملأ ذلك الغلاف، لكن لم تمر أيام معدودات إلا وقد امتلأ الغلاف عن آخره، فانتقلتُ إلى دفتر خاص(2).. ثم تطور الأمر إلى هواية أكثر متعة ضاعفت سريعا فهمي لألفاظ القرآن الكريم، وهي التعرف على الفرق الدقيق بين كل مترادفين؛ فمثلا: الفرق بين كلمتيْ (جلس) و(قعد) أن الأولى تكون من وقوف والثانية من اتكاء.. والفرق بين كلمتي (جاء) و(أتى) أن الأولى تكون للمحسوسات والثانية للمعنويات [فتجد في القرآن: "وجاء رجل من أقصى المدينة"، "أتى أمر الله"].. وهكذا..!(3)

* * * * * 

الحديث لم ينتهِ بعد.. ففي (الجزء الثاني) سأتطرق من وجهة نظري - إن شاء الله - للآتي:
* قاموس (روش طحن) ومدى علاقته بلغتنا الحبيبة وتأثيره عليها إن كان له تأثير.
* هل حقا (اللغة العربية) في خطر داهم كما يردد العديد من الباحثين؟ وهل هي فعلا مهددة بالانقراض كما يزعم آخرون؟ 
* أيهما أفضل للداعية أو الأديب: التحدث أو الكتابة بـ(اللغة العربية الفصحى) أم بـ(اللهجة العامية)؟

دمتم سالمين محبين للغتنا الرائعة.
___________
(1) يوازي في نظام التعليم المصري الصف السادس الابتدائي. 
(2) كم أتصور سعادة ذلك المدرس - إن كان على قيد الحياة - لو علم أن هناك مِن تلاميذه مَن أخذ بهذه النصيحة وما زال يعمل بها منذ أكثر من ربع قرن من الزمان..! فجزاه الله عني خير الجزاء.  
(3) ظللت سنين أجمع مثل تلك الفروقات دون أن أجد كتابا خاصا يجمعها، حتى منَّ الله عليّ بمعرفة الدكتور/ فاضل السامرائي عن طريق التلفاز.. وهو عبقرية لغوية في هذا الشأن، أنصح كل من يهتم بالفهم العميق للقرآن أن يقرأ تراث هذا الرجل ويتابع برامجه. 

الجمعة، يونيو 10، 2011

40 من قصصي(6): ثانيتان...!! (قصة قصيرة)

ثانيتان..!!
(قصة قصيرة)



أن ترى شريط حياتك بأسره أمام عينيك في ومضات خاطفة عند تعرضك لموت محقق.. هذا طبيعي ومنطقي، ويروي عنه الكثيرون - طبعا - ممن نجوا من مثل هذا الموت المحقق..!!!
لكن غير الطبيعي أن ترى أنتَ شريط حياة شخص آخر - في تلك الومضات الخاطفة - عند دنو ذلك الأخير من موت محقق!!!
هذا ما حدث لي.. وهذا ما سأسرده الآن...

* * * * *  

هنا في الكويت تنتشر جسور المشاة فوق الطرق السريعة Highways ؛ ذلك أن السيارات تنطلق على تلك الطرق بسرعات فائقة لا تعطي الفرصة في عبور آمن لمن أراد قطعها على قدميه..!
وفي تلك اللحظات الحاسمة - التي تشكل قصتي - كنتُ أنطلق بسيارتي على أحد تلك الطرق السريعة، عندما لمحتُ عبر المرآة الوسطى تلك السيارة الرياضية التي راح صاحبها يومض لي بمصباحي سيارته ومضات سريعة خاطفة للتنحي من أمامه.. ورغم سرعتي الكبيرة إلا أنني شعرت أنني أزحف بالنسبة للسرعة المرعبة التي مرقت بها سيارته بجواري، وفي جزء من الثانية لمحت صاحبها.. ولم يخب توقعي.. كان أحد الشباب المتحمسين كالعادة..!
ثم رجعت ببصري إلى الأمام ليفاجئني المشهد الذي أثار ذعري وجعل قلبي يقفز إلى حلقي...!
إنها تلك الخادمة.. خادمة هندية هي كما تنطق ملامحها ويشي طراز ملابسها.. جرّها حظها العاثر وفهمها المحدود إلى عبور الطريق في تلك اللحظة بالذات..!!
كانت على بعد 100 متر تقريبا.. وسيارة جاري تسبقني نحوها بسرعة 160كم/ساعة على أقل تقدير.. وبحسبة سريعة - مما درسناه في المرحلة الثانوية - كان الزمن الباقي على وصوله إليها ثانيتين..
فقط ثانيتان..!!!
لذا رحت أصرخ في أعماقي بذعر لا حدود له: استر يا رب.. استر يا رب.!!
لم يكن لدي أدنى شك في اصطدامه بها..
وقفز - بعين الخيال - المشهد المروع أمام ناظري..
مشهد الجسد الهزيل وهو يصطدم بالوحش المعدني الذي لا يرحم.. ثم يقفز في الهواء عاليا وبعيدا قبل أن يسقط أرضا بكل قسوة خاليا من الحياة والدماء تتناثر حوله..!!! 
وهنا حدث شيء عجيب.. لم تمر الثانيتان كما تمر بقية الثواني في حياتي...!
بدا لي الزمن بطيئا بطيئا.. وكأنه يمهلني ما يكفي لأتالم وأتحسر قبل أن تقع الفاجعة...
أتألم للمصير المخيف لتلك المسكينة..!
وأتحسر على ضياع حياتها بسبب لحظة غباء..!
وبلا مبالغة مرت حياة تلك البائسة أمام عيني.. فقط في الثانيتين الباقيتين قبل نهاية حياتها....

* * * * * 

0.2 من الثانية:

تجلسين يا (شاندرا) مع زوجك أمام منزلكما الضيق أرجاؤه بعد يوم طويل مرهق من العمل في حقلكما الصغير.. ذلك الحقل الذي لا يكاد محصوله الشحيح يغنيكم من فقر ولا يسمنكم من جوع.. فما بالك برفاهيات الملبس والعلاج والتعليم.. 
في ضوء القمر الشاحب كوجهيكما تتهامسان كالمعتاد بشأن أحوال حياتكما البائسة، ومستقبل الصغار الخمسة الذين يرقدون متلاصقين في إحدى غرفتي البيت الوحيدتين..!

0.4 من الثانية:

البؤس هو عنوان حياتك.. الظلام هو مستقبل أبنائك.. هذا ما تؤمنين به يا (شاندرا).. ولولا غريزة الأمومة الغامرة لديك وخوفك الشديد على القطط النائمة في الداخل لفكرتي ألف مرة يوميا في إنهاء حياتك الكئيبة..!

0.6 من الثانية: 

اليوم هو يوم سعدك يا (شاندرا).. بل هو أول ابتسامة تمنحك الحياة إياها بعد سنين طويلة من العبوس..
فاليوم زاركما ذلك الشاب من القرية المجاورة الذي يحمل في ذيله الخير دائما.. والذي يتمنى الجميع زيارته ليل نهار..
إنه - كما تعرفين - يعمل مندوبا لدى أحد مكاتب تسفير العمالة إلى دول الخليج.. إلى دول النفط.. إلى الحياة الرغدة والخير الوفير كما يقولون..! 
هل نسيتي ذلك الطلب الذي تقدم به زوجك منذ شهور لدى ذلك المكتب؟ 
    
0.8 من الثانية:

نعم.. هو ما تمنيتيه يا (شاندرا).. لقد صار الحلم حقيقة.. ولكنه تحقق على غير ما توقعتي.. المطلوب للسفر خادمة لا خادم..!
وصار لزاما عليكِ اتخاذ القرار الصعب.. القرار الثقيل على النفس..
ستتركين هؤلاء المساكين لأبيهم الذي امتلأ جسده بالعلل ولا يكاد يقدر على العناية بنفسه..!
لكن لا خيار هنالك.. ستتركينهم من أجلهم.. ستحرمينهم دفأك أملا في توفير حياة كريمة ترفعهم لمصاف البشر..!

ثانية واحدة:

ما أشد ألمك يا (شاندرا) وأنتِ تودعين زوجك الذي يبتسم لك مشجعا ومطمئنا إياكِ على أبنائك.. لكنها ابتسامة مرتجفة بطعم الدموع..!
ما أشد تمزقك وأنت تودعين صغارك بنظراتهم الحيرى التي لا تعي المستقبل.. لكنها تخشاه كالموت..!
إنك ستختفين من هذا البيت.. من هذه الأسرة.. من هذه الحياة.. لا بد إذن أنها نهاية الكون.. هذا ما شعروا به وهم يرمقون نظراتك الباكية عبر زجاج السيارة التي تبتعد مثيرة غبارا كثيفا وراءها.. نفس الغبار الذي يغلف حياتكم الآن..!!
    
1.2 ثانية:

تخرجين من مطار الكويت الدولي في تلك الحافلة التابعة لمكتب التخديم الذي استقدمك.. والتي تعج بـ(شاندرات) أخريات بائسات..
البعض يتطلعن بانبهار عبر الزجاج إلى الشوارع الواسعة النظيفة والمنازل الكبيرة الأنيقة.. لا بد أن هذا عالم رائع جديد ينتظرهن..!
والبعض الآخر يجلسن - مثلك - غافلات عن كل ذلك بالخوف من القادم.. مهما كان يبدو سعيدا، إلا أنه مجهول.. والمجهول غالبا مخيف..!

1.4 ثانية:

الآن مر يومان كاملان على وصولك يا (شاندرا).. إلا أنك ما زلت تجلسين في صمت على أحد مقاعد مكتب التخديم.. تتجرعين في كل ساعة مرارة المهانة وألم الدونية.. شعور الأَمَة التي تباع في سوق النخاسة.. أنتِ لم تجربيه، لكن لا بد أنه كذلك..!
من ساعة إلى أخرى يأتي أحد الزبائن لاختيار خادمة مناسبة لبيته.. ويتفحص فيكِ وفي رفيقاتك بتمعن، ثم لا يلبث - بعد نقاش ومداولة مع مدير المكتب - أن ينصرف بعد الاتفاق على بغيته..! 
متى يأتي سيدك لينهي تلك الساعات القميئة الكئيبة..؟!
فلتأملي أن يوقعك حظك مع أسرة طيبة رحيمة تعاملك كإنسان لا كشيء آخر..!

1.6 ثانية:

الآن يا (شاندرا) تخطين خطواتك الأولى إلى منزل مخدومك.. وها هي ذي زوجته تستقبلك بحفاوة مبشِّرة.. يبدو أن ما ثرثر به السائق - ابن وطنك - أثناء قدومك كان صحيحا.. هذه أسرة طيبة رحيمة كما تمنيتِ تماما.. لكن هل تبتسم الحياة ثانية بهذه السرعة؟ أنتِ لم تخبري منها سوى الوجه العابس.. لكن لم لا؟ 
فلتترقبي ما تأتي به الأيام...!

1.8 ثانية:

اليوم مر على وصولك بضعة أشهر.. ورغم طيبة مخدومَيْكِ إلا أنك تأنين ليلا من شقاء العمل المتواصل طوال النهار من جراء طلبات الأبناء المستمرة بلا توقف.. 
اصبري يا (شاندرا)؛ فعبء العمل يخففه المقابل المادي الذي ترسلينه كله تقريبا إلى أسرتك شهريا.. يخففه السعادة التي تبدو في أصواتهم كلما كلمتيهم عبر الهاتف...!
لكنك لا تجدين ما تخففين به مشاعر الحنين الجارفة إلى الأسرة والوطن التي تثقل روحك يوما بعد يوم..
صحيح أن هنا حياة رغدة.. لكن هناك الوطن..!      
صحيح أن هنا شارع نظيف ومسكن مريح.. لكن هناك الوطن..!
صحيح أن هنا طعام طيب وملبس نظيف ومال وفير.. لكن هناك الوطن..!

ثانيتان:

استعدي يا (شاندرا).. بقيت أيام معدودة وتتمي العام الأول في الغربة.. هذا يعني لكِ الكثير.. فحسب اتفاق العمل، سوف تسافرين إلى وطنك حيث الزوج والأبناء.. حيث الحياة التي لا تغني عنها أية حياة..!!
وها أنتِ ذي تعبرين الطريق في سعادة إلى حيث السوق لتشتري بعض الهدايا لأسرتك الحبيبة.. لكنك في غمرة أحلامك السعيدة غفلت عن واقعك؛ فاقترفتي أكبر خطأ في حياتك..!!
وها هي ذي سيارة تتجه نحوك بسرعة مخيفة لا يجدي معها أية محاولة للفرار..!
ربما لهذا أصاب الشلل قدميك وعجزت حنجرتك حتى عن الصراخ..!
وآخر سؤال سألتيه لنفسك: من سيذهب بالهدايا إلى أبنائي؟!!!!

* * * * *

انتهت الثانيتان.. والمفترض - وفقا لأي حسابات منطقية - أن تنتهي معهما حياة المرأة..!
لكن يبدو أن شللها المؤقت حمل لها النجاة.. فقد استطاع الشاب أن ينحرف عنها بسنتيمترات قليلة في حركة ماهرة لم أكن لأصدقها لولا معاينتها بنفسي..!
ومر السهم بجوارها دون أن يمسها.. ثم مررت أنا بجوارها وقد كان لدي من الوقت بطبيعة الحال لأتفاداها بسهولة..
لكن قلبي المرتجف لم يهدأ إلا بعد أن اطمأننت - عبر المرآة الوسطى في سيارتي - إلى أن المرأة عبرت الطريق سالمة من أي كارثة معدنية أخرى...!!
وردّدت في نفسي في راحة وشبه هذيان: الآن تعودين إليهم يا (شاندرا)...!

- تمت - 

الخميس، يونيو 09، 2011

32 ومضات(3): هل ترتدي بدلة الإعدام الحمراء... معـي؟!

ومضات.. "هي خواطر تأتيني فجأة.. فكان لزاما علي اصطيادها وتدوينها.. قبل أن ترحل - أيضا - فجأة!"
________________

هل ترتدي بدلة الإعدام الحمراء... معـي؟!


نواميس الكون تسري على الجميع..
قوانين الحياة تنطبق على كل البشر..
الموت لا يحابي أحدا..
الصغار أيضا يموتون..

مُسَلَّمات نعرفها ونؤمن بها، ونمصمص بها شفاهنا من حين إلى آخر.. لكننا -أيضا- ننساها -أو نتناساها- أغلب الأوقات.. وإذا تذكرها أحدنا أو ذُكرت أمامه تجرعها مع مسكن الألم ومُؤَمِّن النفس الشهير المسمى: "هذا يحدث للآخرين فقط!"..
هذه القوانين تنطبق هناك.. على أي نقطة في محيط الدائرة.. لكنها لا تقع أبدا على مركز الدائرة.. الذي هو أنا!!

ومن وقت إلى آخر يترك الموت بحقائقه وتبعاته المخيفة محيط الدائرة ويقترب - فقط يقترب - من المركز.. هنا تظهر تلك المسلمات للعين بصورة أخرى.. وتسقط صخرة في مستنقع طول الأمل فترتجف مياهه وتهتز وتضطرب؛ فيكتشف كل منا اكتشافا جديدا عبقريا...

يكتشف أن نواميس الكون تسري على الجميع..
وأن قوانين الحياة تنطبق على كل البشر..
وأن الموت لا يحابي أحدا..
والصغار أيضا يموتون..!!!

إن مَثَلي - ومثل غيري من الغافلين - في التعامل مع الموت وحقائقه كَمَثَل من يتطلع بشفقة وتأثر إلى ذلك المحكوم عليه بالإعدام.. يا له من مسكين.. ما كل هذه القسوة؟ يُلبسونه تلك البدلة الحمراء المشئومة ويتركونه في زنزانته منفردا تتخطفه الأفكار السوداء ويخنقه انتظار اللحظة المريعة...
لحظة تغطية الرأس بالغطاء الأسود القميء..
لحظة وضع أنشوطة الإعدام حول الرقبة..
لحظة سحب المقبض والسقوط..
لحظة الانتقال من الشك إلى اليقين..
لحظة مقابلة الرب؛ حيث يتوقف العمل ويبدأ الحساب..!

وَيْحي وويح كل الغافلين إن كنا ننظر بهذه الشفقة إلى مرتدي البدلة الحمراء وننسى أنفسنا..!!
ألسنا مع الموت على موعد في كل لحظة..؟ أليست كل ثانية من عمرنا مُتَوَقَّعٌ أن تكون هي لحظة سحب المقبض والسقوط..؟
ألسنا أسوأ حالا من ذلك المحكوم عليه بالإعدام؟!
كيف لا وهو يُنذَر قبلها؟
كيف لا وهو يرتدي البدلة الحمراء قبلها؟
كيف لا وهو يُمنح وقتا للعودة وللتوبة قبلها؟

إن كان منا من لا يصدق ذلك.. لا يصدق أنه أسوأ حالا من المحكوم عليه بالإعدام.. فلا يلومَنَّ إلا نفسه..!!
فهل وَعَدَك أحدٌ يوما بأنك خالد أبد الدهر..؟! وهل وعدك أحد يوما بأنك ستُعْلَم بموعد موتك قبلها..؟!
بل على العكس.. فالمولى - عز وجل- ينبهنا إلى أن نفسًا لن تعلمَ أبدا في أي وقت يأتيها اليقين.. (واليقين في اللفظ القرآني جاء بمعنى الموت).. ينبهنا سبحانه لذلك في كل وقت وحين عبر كتابه المقروء (القرآن الكريم) وعبر كتابه المنظور (الكون المحيط وأحداث الحياة)..
إذن لا يظلم ربك أحدا.. ولكن من رحمته بنا أنه لا يُعَرِّضُنا لتلك التجربة القاسية.. تجربة وضعنا وجها لوجه مع الموت في كل لحظة كالمحكوم عليه بالإعدام!! فقط يترك أمامنا الحقائق واضحة في كتابه العزيز المتاح للجميع.. ويرسل إلينا رسائل من خلال حياتنا اليومية من وقت إلى آخر.. علنا ننتبه من غفلتنا..

فهلا انتبهنا - إخواني الأعزاء- إلى تلك الحقيقة المخيفة..؟ حقيقة أن كلا منا يرتدي بدلة إعدامه الحمراء منذ وُلد ولكنه لا يراها! وأنه يمشي بها بين الناس ويسيح بها في الأرض حتى تأتي.. لحظة اليقين!
هلا راجع كل منا نفسه المقصرة ليرى مدى استعدادها لمقابلة المولى - عز وجل- في يوم عظيم محشور له الناس أجمعين.. يوم لا ينفع مال ولا بنون.. إلا من أتى الله بقلب سليم؟
أدعو الله - عز وجل- ألا يتخطفني الموت على غفلة مني قبل أن أستعد للقائه..! وأن يخرجني -وإياكم- من زمرة اللاهين الغافلين.. اللهم آمين.....
وها أنا ذا اليوم تومض هذه الومضة بداخلي عندما استيقظتُ على إحدى حقائق الحياة القاسية والمسلمات التي أنساها.. لقد ترك الموت محيط دائرتي واقترب قليلا من المركز؛ فقد جاءني خبر وفاة تلميذ من تلاميذي..!

الثلاثاء، يونيو 07، 2011

32 ومضات(8): أصعب ابتسامة..!


ومضات.. "هي خواطر تأتيني فجأة.. فكان لزاما علي اصطيادها وتدوينها.. قبل أن ترحل - أيضا - فجأة!"
____________

أصعب ابتسامة..!


عندما ترى أحلامك تفلت من بين يديك.. لكنك تبتسم.. فقط لتشعر أنك قادر على بنائها من جديد..!

عندما تكون التعيس الوحيد بين سعداء.. لكنك تبتسم.. فقط لئلا ترى الشفقة في عيونهم..!

عندما تكون في أضعف حالاتك.. لكنك تبتسم.. فقط ليرى من يستمدون منك قوتهم كم أنت عظيم..!

عندما توجعك ضربات عدوك.. لكنك تبتسم.. فقط لتحرمه لذة الانتصار..!

عندما تتوالى عليك الأحزان.. لكنك تبتسم.. فقط لتتذكر أن دوام الحال من المحال..!

عندما يهجرك من منحته قلبك.. لكنك تبتسم.. فقط لتريه أنك ما زلت تستطيع أن تعيش من دونه..!

* * * وأنت؟ حدثني - إن شئت - عن أصعب ابتساماتك * * *
__________________

هذه الكلمات من وحي موضوع جميل بنفس العنوان قرأته في إحدى المدونات.. لكني صغتُ العبارات التي تعبر عن دخائلي.

السبت، يونيو 04، 2011

34 عبارات هوليودية(16): لا شيء بلا ثمن..!


لا شيء بلا ثمن!


"إذا كنتَ جيدا في شيء فلا تفعله دون مقابل"
[الجوكر عندما سئل عن سبب طلبه مالا لقتل باتمان.. رغم أنه مستفيد من موته أيضا، في فيلم: Dark Knight]

ذكرتني هذه العبارة بموقف طريف يدل على إحدى ثقافاتنا العديدة التي نتميز بها ويفتقدها الغربيون، وهي ثقافة عدم تقدير الخبرات، ومن ثم عدم تقدير الجهود.. نتشارك في هذا مع حكوماتنا - التي هي بصورة أو بأخرى إفرازات لمجتمعاتها-..
فقليلا ما رأيتُ من لديه المقدرة على تقدير الثمن الحقيقي لعمل ما.. بل مما اكتشفته أن لَدَى الكثيرين منا قناعةً غريبةً بأن سرعة تأدية عملٍ ما ليست دليلا على مهارة الأداء، بل هي دليل على سهولة هذا العمل، وبالتالي انخفاض أجره..!!
والموقف الذي أشرتُ إليه يلخص ما أريد قوله..
كنتُ أقوم بتنفيذ تصميم فني معقد لإحدى العميلات، ولأنها كانت متعجلة، فقد جلَسَت أمامي وشاهدَت تنفيذ العمل بنفسها، وأثناء ذلك طلبت العديد من التعديلات، ولأنني -ولله الحمد- أحترف استخدام برنامج التصميم الأشهر Adobe Photoshop؛ فقد كنتُ أنفذ التعديلات المطلوبة بسرعة لم تتوقعها؛ مما كان يَلْقى اندهاشها واستحسانها أيضا..
لكن بعد الانتهاء من العمل، فوجئتُ بها تستنكر بشدة الأجرَ المطلوب معللة ذلك بعبارة بليغة:
"أنتَ لم تفعل شيئا سوى النقر بالماوس".. طبعا قالتها بلهجتها الكويتية: "كله طجطجة ماوس"!!!!
بالتأكيد أنا لا أملك أن أغير هذا المفهوم لدى الآخرين لمجرد أني أرغب في ذلك.. لكن ما أملكـه -وهو ما تعلمته من ذلك الموقف- ألا أسمح لعميل مطلقا بمشاهدتي أثناء العمل!!!