الخميس، أبريل 28، 2011

40 فلاش باك(11): !!..C'est la vie

"بما أن لا شيء يضيع مما تسجله عقولنا: كل صورة.. كل كلمة.. كل رائحة.. كل موقف.. فلأمد يدي إذن وألتقط الملف المطلوب عرضه في هذه الزاوية.. Flashback"
______________


!!..C'est la vie




كانت هذه الذكرى منذ 20 عاما..


عندما مررتُ أسفل ذلك البيت القديم.. تطلعتُ إلى نافذته المشرعة وقد أطلَّت منها أضواء باهتة ممتزجة بصوت القارئ - جهوري الصوت - وهو يتلو آيات من القرآن الكريم.. تلك عادة ترتبط عند الكثيرين في مجتمعنا بمثل هذه المناسبة فقط.. مناسبة الموت..!

هذا الجو ملأ نفسي حزنا عميقا وكآبة شديدة؛ فقد كنتُ أعرف خلفية الحدث كغيري من أبناء المنطقة...

لقد فقد هذا البيت رب أسرته، ذلك المعلم كبير السن الذي خرج من تحت يديه أجيال وأجيال تمدح أخلاقه يوما بعد يوم.. فَـقْـدُ مثل هذا الرجل كفيلٌ بإصابة الجميع بالحزن العميق..

لكن طريقة فَقدِهِ كانت كفيلة بإصابتنا بصدمة أتبعتها كآبة..

أصيب الرجل في أعوامه الأخيرة بمرض (ألزهايمر) (1).. 

ورغم حرصهم على رعايته، إلا أنه خرج يوما في غفلة منهم.. واختفى تماما.. وظل الجميع يبحث عنه بجزع خشية أن يصاب بسوء مع حالته المَرَضية تلك.. ومع كل يوم يمر على اختفائه كان الخوف من إصابته بسوء تتعاظم.. حتى جاء اليوم الموعود ليُكتشف المسكين غريقا في تِرعة مدينتنا(2)...!!!



ومن شدة ما أصابني من كآبة وحزن.. قلتُ يومها في نفسي - حديثة العهد بدروس الدنيا وحِكم الدهر -: "هذا البيت لن يرى السعادة يوما بعد ذلك...!" 


* * * * *


كانت هذه الذكرى منذ 19 عاما..

كان اليوم قد مر عامٌ كاملٌ بالتمام والكمال (عرفتُ ذلك لارتباط الحدث بمناسبة وطنية) عندما مررتُ تحت نفس البيت القديم.. وتحت نفس النافذة..

لكن - لدهشتي البالغة - كانت الزينة تغطي البيت.. والأضواء الملونة تحيط بالنافذة التي تتصاعد منها - هذه المرة - أصوات الأغاني الممتزجة بالزغاريد وصخب الأطفال مع ضحكات الكبار ...!!!

لم أكن أعرف المناسبة.. هل هي يوم ميلاد أم حفل زفاف..!

لكني - يقينا - تعلمتُ درسا جديدا في هذه الحياة...!!!

* * * * *

دعكَ مما تعلمتُه أنا.. وأخبرني: ماذا وصلك أنت من هذين المشهدين؟!!!

_____________

(1) الخرف الشيخوخى أو Alzheimer (تيمنا بالطبيب النفسى "ألويس ألزهايمر" الذي وصف المرض وشخصه في عام 1906م): مرض شائع من أمراض الشيخوخة.. عوارضه تختلف من فرد إلى آخر، إلا أن له أعراضا مشتركة، أهمها صعوبة تذكر الحقائق التي تعلمها المريض حديثا.. وبتطور المرض، تشتمل الأعراض على التشوش، والتقلبات المزاجية، وانهيار اللغة، وفقد الذاكرة على المدى الطويل..!

(2) (لغير المصريين) الترعة: مجرى مائي صغير نسبيا متفرع من النيل أو موازٍ له.

الثلاثاء، أبريل 26، 2011

37 عبارات هوليودية(15): متى تصعب الرؤية؟


متى تصعب الرؤية؟



"العقل كهذه المياه؛ حين تضطرب تصبح الرؤية صعبة، ولكن إذا تركتها تستقر تصبح الإجابة واضحة"
[المعلم أوغواي في فيلم: Kung Fu Banda]

استدعت هذه العبارة الهوليودية خبراتي مع الغضب..

القريبون مني يعرفون أنني من النوع سريع الاشتعال إزاء الإهانة من الآخرين، فقط عندما يتأكد لي يقينا أنها بقصد وسوء نية أو أن فيها اتهاما لي على ما لم أصرح به من نواياي..!!
ولهذا لك أن تتصور كم من مرة جربتُ تلك الخبرة المروعة...
خبرة الغضب عندما يُلقى كصخرة في مياهٍ بحيرة ساكنة هادئة؛ فيُحيلُ سكونها اضطرابا وهدوءها صخبا..!
عندما يَذْهَل العقل عن التفكير الموضوعي الموزون؛ فتتوارد عليه أشد الأفكار جنونا متحررة من معاقل الحقد والانتقام المدفونة في خبايا كل نفس..! 
ساعتها - صدقني - يكون اتخاذُ قرارٍ ضربا من الحماقة التي تصل إلى حد الخَرَق عندما يكون القرار مصيريا..!!
وأدركت يوما بعد يوم مغزى وأهمية تكرار النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب.. لا تغضب!!".. 
ورغم أني لم أستطع التخلص من عادة سرعة الغضب الذميمة في تلك المواقف تحديدا.. لكن أجزم أني تعلمتُ مع الأيام ألا أتخذ قرارا ساعة غضب.. وهو ما أنقذني بالفعل من كوارثَ عديدة رأيتُ غيري يقع فيها بسبب الغضب...!!!

السبت، أبريل 23، 2011

54 من قصصي(4): وراء الباب المسحور..!


وراء الباب المسحور..!

"إهداء إلى المهندسة (جيهان منصور) التي كانت إحدى خواطرها عن طفولتها هي البذرة التي نبتت منها هذه القصة"



- ماما.. أين ذهب جدي بعد أن كان مريضا؟ لماذا لم يعد يزورنا؟!
سألت (مروة) الصغيرة أمها هذه السؤال بكل عفوية؛ فكفكفت أمها دمعة فرت من عينيها، وهي تبتسم مرغمة لوجه طفلتها الذي يشع براءة، قبل أن تجيبها:
- غدا عندما تكبرين تعرفين.
بالطبع لم تكن إجابة وافية، إلا أن (مروة) -كعادة الأطفال- انشغلت سريعا بدميتها، وبعد أقل من دقيقة، التفتت من جديد إلى أمها وهي تهدهد دميتها سائلة:
- ماما.. من أين جئتِ بي؟
لم تكن الأم قد خرجت بعد من الحالة النفسية التي وضعتها فيها ابنتها عندما ذَكَّرتها بوالدها المتوفى منذ أيام معدودة.. لذا لم يكن لديها الاستعداد النفسي في هذه اللحظة لمحاولة تبسيط مفاهيم الحياة لابنتها ذات السبعة أعوام؛ واكتفت بالإجابة السهلة:
- غدا عندما تكبرين تعرفين.
ومن جديد سرعان ما انشغلت (مروة) في فيلم الكرتون الذي بدأ لتوه... وإن ظل كلا السؤالين قابعان هناك في أعماقها، ينتظران الخروج ثانية في مناسبة أخرى.. هذا ديدن الأطفال..

كانت معظم أسئلة (مروة) من الطراز الذي إجابته: "غدا عندما تكبرين تعرفين"؛ وكان ما يشغلها حقا هو معنى تلك الإجابة، ففي كل مرة كانت تنام لتستيقظ في اليوم التالي الذي هو (غدا)، لتكتشف - ويا للعجب - أن شيئا مما قالته الأم لم يتحقق، فها هو (غدا) قد جاء، فلا هي كبرت، ولا هي عرفت!!!
أما عن أسئلتها تلك، فكانت لـ(مروة) وسيلتها الخاصة للإجابة عنها..

إنه "الباب المسحور"..
ذلك الباب القديم المتهالك ذي المصراعين الذي يقبع أسفل أحد سلالم مدرستها.. كانت تلمحه في صعودها وهبوطها، وتظل عيناها متعلقتان به.. تتخيل خلفه حكايات وحكايات.. كانت تظنه يقود إلى دهليز خفي - أسفل المدرسة - تسكنه الجنيات والأشباح والوحوش الأسطورية، وكل ما يمرح من كائنات في عقل طفلة صغيرة.. عقل صغير لكنه باتساع الكون ذاته؛ أليس الكون لا تحده حدود معلومة؟ وكذلك كانت أفكارها!!
أحيانا كانت تظنه يقود إلى عالم عجيب تتحدث فيه الحيوانات، وتأتي منه الإجابات على أسئلتها، لكنها إجابات على طريقتها، ما دامت إجابة أمها المكررة لم تسعف هذا العقل الذي لا يسكن، وتلك النفس التي لا تهدأ..!

فمثلا جاءها جدها يوما من وراء الباب المسحور وهو يرتدي جلبابه الأبيض الذي تعودت أن تراه به، وقال لها: "لقد سافرتُ إلى بلاد جميلة، وسأحضر إلى زيارتكم بعد أن أشتري لكِ أجمل الهدايا والألعاب".. فكانت هذه الإجابة مُرْضِية لها، وجعلتها تنتظر بكل شوق وسعادة عودة جدها ومعه كل ما تمنته من ألعاب لم تشتريها لها أمها!!
وفي يوم آخر رأت خلف الباب المسحور حدائق غناء مليئة بالأزهار والفراشات والعصافير وجداول المياه الشفافة الرقراقة، وتشع على كل ذلك شمس مشرقة لها وجه مبتسم (كما تراه في الكرتون).. وعلى العشب الأخضر الزاهي يقبع أطفال رُضَّع ملفوفين في أقمشة بيضاء ناصعة.. ومن حين لآخر تظهر في المشهد إحدى الأمهات لتتجول بين الأطفال، حتى تختار أحدهم فتحمله بين يديها وتقبله، ثم تنطلق به ليصير هو ابنها.. وبالطبع رأت نفسها عندما جاءت أمها والتقطتها..!!!

وتمر الأيام..
وفي كل مرة تسأل فيها (مروة) أحد أسئلتها التي "ستعرف إجابتها غدا عندما تكبر"، كانت في اليوم التالي تجد الإجابة جاهزة هناك.. وراء الباب المسحور..!
وبالرغم من ذلك ظلت تتساءل دوما: "متى يأتي (غدا) حتى تكبر، وحتى تعرف"؟!!


وظلت سنوات تحلم بما خلف الباب.. حتى جاء ذلك اليوم...
كانت تقف في أحد الأركان تحدق في الباب - متلقية منه إحدى إجاباتها - عندما اقترب عامل النظافة بالمدرسة من الباب، وفتحه على مصراعيه!!!
وانهارت فجأة أحلام سنين عدة دفعة واحدة.. لقد فوجئت خلفه ببعض الكراسي والطاولات المدرسية القديمة المكسورة وقد تراكمت فوق بعضها..!
واعتصر القلب الصغير لتنزل عصارته دموعا حارة على وجنتي صاحبته..
تمنت لحظتها أن تصرخ في العامل من بين دموعها: لماذا فتحته؟! لماذا لم تتركه مغلقا؟!

لقد زال السحر عن الباب بمجرد فتحه..!

لكن (مروة) لم تَخُض هذه التجربة المريرة بلا مكسب..

لقد عرفت إجابة سؤالها الذي كان يقض مضجعها..

عرفت أن (غدا) قد جاء، وأنها الآن كبرت...!

الاثنين، أبريل 18، 2011

48 مصطلحات شائعة(16): الدوجمائية


الدوجمائية Dogmatism



"الدوجمائية" تعريب لكلمة Dogmatism التي يعود أصلها لكلمة يونانية بمعنى "الرأي" أو "المعتقد الأوحد".
والمقصود بها اتجاه فكري يعبر عن التعصب لفكرة معينة دون قبول النقاش فيها، أي "الجمود الفكري"؛ لذا فـ"الدوجمائية" ليست مذهبا فلسفيا بقدر ما هي طريقة تفكير تتصف بها أي فرقة أو مذهب أو فلسفة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة بشكل شامل -دون الاستناد إلى براهين يقينية-، وأن معتقداتها لا تقبل النقاش ولا التغيير، حتى وإن تغيرت الظروف التاريخية، أو المكانية أو الاجتماعية المحيطة بها؛ وهي -بالتالي- لا تقبل أي نقد، بل تنكر الآخر وترفضه باعتباره على باطل مطلق!(1)
لذا فأي تطرف يصاحبه جمود في الفكر أو السياسة أو الدين أو حتى الفـن هو - من منظور الفلاسفة - فكر "دوجمائي".

ومن يحمل هذه النظرة - سواء على مستوى الأشخاص أو الفئات - يتسم بمجموعة من السمات؛ مثل: نفى الفكر المقابل -وربما تخوينه-، وعدم الرغبة في فتح قنوات للحوار أو البحث عن أرضية مشتركة مع الآخرين.

والعقلية "الدوجمائية" - سواء في الجانب الديني أو السياسي أو الفكري - موجودة في كل دول العالم؛ ومن أغرب الصور لهذه العقلية هو ما يظهر من كثير من العقول الغربية التي تتخذ موقفا معاديا من الحضارات الأخرى، وتزعم أن نموذجها الحضاري هو النموذج الأمثل للبشرية؛ بل وتعمل جاهدة على ترسيخ هذه الرؤية لدى الآخرين وعلى تعميم نموذجها من خلال "العولمة"، ومن ثم فهي تقف من الحضارات الأخرى موقف التعالي، إن لم يكن العداء ومحاولة إبادتها.

وفي نطاق الفلسفة نجد أن كثيرا من المدارس الفلسفية تمثل أفكارها نموذجا واضحا "للدوجمائية"؛ مثل فلسفات (أفلاطون) و(أرسطو) قديما، وفلسفات (ديكارت) و(باسكال) و(هيجل) و(ماركس) حديثا. وفي الشرق نجد كذلك "الدوجمائية" في أفكار ومعتقدات بعض التيارات المتعصبة في علم الكلام وأصول الدين قديما، وبعض التيارات السياسية حديثا.

وفي المقابل نرى أن كثيرا من علماء أصول الفقه الإسلامي يُظهر منهجهم في التفكير رفضهم "للدوجمائية" وتفهمهم النموذجي للرأي الآخر؛ مثل الإمام (الشافعي) الذي اشتهر بمقولته الذهبية: "رأيي صواب (أي الذي أعتقد صوابه) يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ (أي الذي أعتقد خطأه) يحتمل الصواب". 
______________
(1) من أشهر الأمثلة التاريخية على هذه الطريقة (أو هذا المنهج) في التفكير -التي كانت لها نتائج قاسية للغاية على المخالفين- ما تميز به رجال الكنيسة في تعاملهم مع علماء العلوم التجريبية في فترة ما قبل "الثورة الفرنسية".

السبت، أبريل 16، 2011

46 مذكرات طالب حيوان(5): Run.. Lola.. Run..!!

!!..Run.. Lola.. Run


هذا اسم فيلم ألماني شاهدته قديما، عن فتاة تحاول إنقاذ صديقها من ارتكاب حماقة سرقة سوبر ماركت ليرد دَيْنا عليه لإحدى العصابات قبل أن يقتلوه، ومن أجل ذلك كان عليها الحصول على 100 ألف مارك ألماني في 20 دقيقة فقط!!! والفيلم يعرض أحداث ثلاثة سيناريوهات مختلفة لحصولها على هذا المال.. كلها كانت تقتضي أن تركض بلا توقف طوال الفيلم!!!!!


لكن ما علاقة هذا بحياتنا في كلية العلوم؟!!

* * * * *

الحقيقة أنني لم أستطع إخراج مشاهد هذا الفيلم من رأسي.. ذلك أنني ما إن شاهدته حتى تراءى لي أنه يوجز بدقة طبيعة حياتنا في كلية العلوم؛ فمنذ ولجنا من بابها - وعقب انتهاء التشريفة إياها(1) - حتى وجدنا أنفسنا في حلبة سباق ذرعها أربعة أعوام كاملة...!!
صدقني.. لا أبالغ في هذا الوصف.. هو على الأقل شعوري أنا ومعظم رفاق دُفعتي خلال تلك الأعوام الأربعة...!
فدائما الوقت ضيق.. والأعمال أكثر من الأوقات المتاحة..

ففي البداية.. كنا نهرول لمتابعة شرح الأساتذة للمنهج الذي يتحرك بلا توقف وبلا رحمة ليسمح لنا بترجمة الطلاسم اللاتينية فضلا عن الفهم ثم المذاكرة..!
ونهرول للبحث عن مذكرات بعض المعيدين المخضرمين التي يشرحون فيها بتبسيط ما تعرضه المراجع والمصادر (المجعلصة) والتي لم نتعود على التعامل معها..!
وعندما بدأت الأمور تتضح - واستطعنا تمييز رؤوسنا من أرجلنا - بدأ سباق الامتحانات..!
فنهرول من امتحان نظري إلى امتحان نظري..!
وبالمناسبة.. أتحداك أن تجد امتحانا ينتهي وليس في جعبتك ما لم يُكتب بعد.. يجب أن تُسحب الورقة منك سحبا..!!!!
وما أن ينتهي (تراك) الامتحانات النظري، فنتوقف قليلا لالتقاط أنفاسنا وشرب جرعة ماء، حتى نسمع طلقة البدء في المرحلة التالية من السباق، وهو امتحانات العملي.. 

وما أدراك ما امتحانات العملي..!!
عن ماذا أحكي لك؟
عن الـ End piont (نقطة النهاية) التي تصر دائما ألا تأتي؟!
أم عن المادة الـ Unknowm (المجهولة) التي بعد معرفتها في نهاية الامتحان تكتشف أنها ليست هي؛ لتنهار في صمت؟!
أم عن شرائح الأنسجة التي يأتون بها من كائنات فضائية ومطلوب منك أن ترسمها (بكل دقة وحنكة) من تحت المجهر لتكتشف أنها مقطع في أمعاء ضفدعة؟!
أم عن الكلمة المرعبة التي صرنا نكرهها كالطاعون: Change ؟! 
أم عن الـ 300 عينة من الثعابين والقواقع المطلوب حفظ الاسم اللاتيني المزدوج لكل منها.. دون أن يكفي بكاؤك حتى لتخفيض عددها؟!
أم عن قلب الضفدعة الذي يجب أن تعلقه في خطاف خارج جسدها دون أن تقتلها.. لتقوم بعمل رسم قلب لها؟!! 
أم عن أجهزة الفيزياء التي أتوا بها من قرن سابق لنختبر بها الآن؟ (2)
طبعا الوقت دائما يكفي بالكاد.. فقط في حالة واحدة: إن كنت تهرول لتحصِّل ما تريد..!!
هذا عن الهرولة المعنوية التي هي في الأساس هرولة ذهنية لا تقل جهدا - في رأيي - عن الهرولة الحسية.. 

أما عن الهرولة الجسدية الواقعية.. فلم نُحرمها بالطبع.. وحدث عنها ولا حرج..!
نهرول من قاعة (انتهت محاضرتها) إلى قاعة (ستبدأ محاضرتها)؛ لأن المسافة بينهما قد تصل إلى 500 مترا، بينما الزمن بين المحاضرتين صفر..!!!
نهرول - نحن الذكور.. أو للدقة: الحريصين منا - لنحصِّل مكانا في المقاعد الأولى.. حيث أن معظم دفعتنا من البنات والذكور قلة مندسة، وإذا وصلت بنت واحدة إلى مقعد واحد من المقاعد الأمامية فقد صارت جميعها محجوزة لبقية الزميلات الفضليات!!!
وإذا - أقول: إذا - كانت هناك ساعة فارغة بين محاضرتين فإننا نقضيها أيضا في... الهرولة..!
نعم..
فنهرول بين محلات التصوير لنصور مُذَكِّرةً أُشيعَ أنها أفضل ملخص موجود لمادة ما.. ونحن - كحمقى أو كمساكين - لا يمكننا أن نكذّب أو نصدّق ذلك.. فالتجربة هي خير دليل.. إذن فلنصور ثم نتظلم.. أقصد نتأكد...!!
وكذلك نهرول إلى أحد المطاعم المقابلة للجامعة لنشتري طعاما يعوض الطاقة التي فقدتها أجسادنا في الساعات السابقة، وفي الساعات اللاحقة أيضا..!
طبعا لا يسعدنا الحظ غالبا لنجلس.. بل نأكل ونحن نهرول لنجد وقتا كافيا للصلاة قبل المحاضرة التالية؛ حتى لا نضطر أن نهرول أيضا ونحن نصلي..!
وفي نهاية اليوم أهرول لألحق بالباص الجامعي(3) الذي ينطلق قبل نهاية آخر محاضرة عملية لي بربع الساعة.. فكان علي دائما أن أسابق الزمن أثناء سيكشن العملي لأنتهي مبكرا بنصف ساعة على الأقل، وإلا فعليّ التعامل مع معركة المواصلات بعد يوم حافل أصلا استنفذ كل طاقتي..! 
صدقا كانت حياتنا في الكلية سباقا محموما وتوترا دائما..
ومع الأيام ألِفنا التوتر.. نعم.. ألفناه حتى صار طبيعة حياة!!!!
والآن .. سأترككم وأنتحي جانبا.. لأني أريد أن أسقط أرضا بعد كل هذه الهرولة..!!!

وإلى لقاء قريب مع حلقة جديدة بإذن الله..
دمتم سالمين.    
_________________
(1) راجع الحلقة الثالثة!
(2) هناك حلقة خاصة عن امتحانات العملي.. عليك ألا تفوتها!!! وبالمناسبة: معذرة على كتابة بعض الكلمات بالإنجليزية؛ فهذه الكلمات لها رنين مميز في الذاكرة منذ تلك الأيام، وتذكرها كما هي له حميمية خاصة يستشعرها أبناء (علوم).. فالأمر إذن ليس تحذلقا عليكم والله...!!!
(3) كان خدمة جامعية باشتراك.

الاثنين، أبريل 11، 2011

28 عبارات هوليودية(14): الجنون.. لحظة!!

الجنون.. لحظة!!



"الجنون كالجاذبية.. لا يحتاج سوى دفعة صغيرة لكي يعمل"
[الجوكر يفسر قدرته على استخراج لحظات الجنون ممن حوله]

هناك لحظة ما تأتي في حياة بعض البشر لا كاللحظات.. نادرة هي.. لكنها تأتي..!
عندما تتكالب الظروف بقسوتها..
وتتعاظم الضغوط بوطأتها..
فتنهار الإرادة الهشة تحت مقارع الأحداث العظام..
ولا تجد النفس وراءها ما تملكه..
ومن ثم لا تجد أمامها ما تخسره...
عندئذ تنتظر في سكون يضمر شراهة..
وتقبع في هدوء يخفي تحفزا..
شراهة وتحفزا لتلك اللحظة..!
وسريعا ما تأتي تلك اللحظة لأتفه سبب.. ولأقل حدث.. 
فيهيمن الجنون على الأمور..
لينقلب المظلوم ظالما..!
وتغدو الضحية جلادا..!
ويستحيل المسالم قاتلا..!
وحينها يتساءل المحيطون به بكل دهشة: "كيف تحوَّل هكذا فجأة..؟! لقد كان شخصا ودودا طيبا"!!!

الخميس، أبريل 07، 2011

37 من قصصي(3): التاريخ لا يعيد نفسه..!!

التاريخ لا يعيد نفسه..!!
(قصة قصيرة واقعية)



الزمان: العام الدراسي 1983 -1984م
المكان: فصل دراسي
الشخصيات:
1- المعلم
2- طفل لم يتعدَّ العاشرة
نهار / داخلي

المعلم يتجول في الفصل وقد ارتفع صوته لا إراديا أثناء انفعاله في الشرح، ومن وقت لآخر يفاجئ أحد تلاميذه بسؤال يكشف له مدى انتباه هذا الأخير للشرح.. وبالطبع كان من التلاميذ من يستطيع الإجابة وينجو؛ فيتنفس بعدها الصعداء آملا أن يخفف هذا من احتمالية سؤاله مرة أخرى.. على الأقل خلال هذه الحصة..! بينما يقع بعضهم متلبسا بالجرم الشنيع.. شروده وعدم انتباهه للشرح.. وحينئذٍ...!!!
وتمر اللحظات الثقيلة.. ويستمر المعلم المعقود الحاجبين دائما الثاقب النظرات أبدا في جولته المرعبة بين طاولات الأسرى الذين يحاول كل منهم ثقب حذائه بنظراته معتقدا أن ذلك كاف لنجاته صارخا في أعماقه كلما اقتربت منه الخطوات: هل سأنجو هذه المرة.. أم ستكون الرصاصة التالية من نصيبي؟

وفجأة.. تقع عينا المعلم على مشهد لم يتوقعه....!!

* * * * *

الزمان: العام الدراسي 2003 -2004م
المكان: فصل دراسي
الشخصيات:
1- الأستاذ ماجد
2- طفل لم يتعدَّ العاشرة
نهار / داخلي

الأستاذ (ماجد) يشتهر بين تلاميذه بمداعبته الدائمة لهم أثناء الشرح، وبإمدادهم بالمواقف الأخلاقية والإيمانية كلما سنحت الفرصة رغم أن مادته ليست التربية الإسلامية... لكنه يشتهر أيضا بينهم بحدته وسرعة انفعاله عندما يسيئ أحد التلاميذ الأدب خارجا عن أخلاقيات التعامل بين المعلم والتلميذ، كما يشتهر بشدة غضبه عندما يكتشف عدم انتباه أحدهم للشرح وانشغاله بأمر تافه لا يجوز أن يلهيه عن شرح المعلم.. ورغم علمهم أن الأستاذ (ماجد) نادرا ما يستخدم العقاب البدني الذي -كما يخبرهم دائما- يستخدم في توجيه الحيوانات، ولا يصفع على الوجه - كما يفعل غيره بسهولة - لأن هذا منهي عنه شرعا.. إلا أن كل منهم كان يخشى بشدة أن يقع متلبسا بالشرود وعدم الانتباه؛ لأنه لن يسلم وقتها من الغضب العاصف لأستاذه؛ حيث يتلقى من شديد الصراخ وقاسي الكلمات - المبالغ فيهما - ما كان يتمنى المسكين معه أحيانا أن يُضرب بالعصا وكفى..!!!

وفي ذلك اليوم، أثناء جولة الأستاذ (ماجد) بين تلاميذه، وقعت عيناه على مشهد لم يتوقعه....!!

* * * * * 

وقعت عينا المعلم على ذلك التلميذ الذي أمسك بقلم ملون، وانهمك تماما في الرسم على طاولته الملساء..
كان بارعا في الرسم حتى أن جميع زملاء فصله كانوا يخطبون وده لكي يرسم لكل منهم في دفتره إحدى الشخصيات الخارقة الشهيرة التي يبرع في تصويرها، مثل سوبرمان أو بات مان أو سبيدرمان أو جريندايزر...
لكن المعلم لا يعرف هذا.. ولا يعنيه.. ما كان يعنيه في هذه اللحظة أن هناك من يستهين بحصته وبوجوده حتى أنه واتته الجرأة لكي ينهمك في الرسم أثناء الشرح؛ لهذا تجده قد توقف عن الشرح، وتحرك في خطوات ثابتة هادئة - قاصدا ألا ينتبه إليه الطفل الشارد تماما- لهدف في نفسه..
وأخذ يقترب ويقترب.. والجميع يحبس أنفاسه مترقبا ما سيحدث بعد لحظات..
كل ذلك والطفل ما زال شاردا في عالم آخر مع شخصياته التي ملأت الطاولة أمامه..

وتوقف المعلم خلفه مباشرة...!

* * * * *


وقعت عينا أستاذ (ماجد) على مشهد تلميذ في طرف الفصل وقد دفن رأسه بين ذراعيه المنعقدين على الطاولة وذهب في نوم عميق...
توقف فجأة عن الشرح، وتحرك ببطء وهدوء مقصودين نحو التلميذ النائم...
حاول أحدهم تنبيه ذلك النائم، إلا أن أستاذ (ماجد) منعه بإشارة متوعدة من يده...
شخصت أبصار بقية التلاميذ وقد فطنوا إلى سبب توقف الشرح، وتصاعدت همساتهم ونَمَت ابتساماتهم السادية متصورين ما سيحدث بعد لحظات..
كانوا يتشوقون لرد فعل أستاذهم الذي يثير جنونه مجرد حديث جانبي بين اثنين أثناء شرحه.. فماذا بتلميذ مستغرق في النوم..!!

وتوقف الأستاذ أمام التلميذ النائم مباشرة...!

* * * * * 

هَوَت كفّ المعلم العملاقة على مؤخرة رأس الطفل بضربة قاسية عنيفة، حتى أن الدنيا أظلمت أمام عينيه لنصف دقيقة كاملة..
شعر المسكين وقتها بمزيج مخيف - لم يغادر ذاكرته أبدا - من الحيرة والذعر مما أصابه من عمى مؤقت..!
وبعد أن ارتد إليه بصره، وبدأ في استيعاب وإدراك ما حدث، تحول شعوره إلى خزي ومرارة شديدة - أيضا لم ينسهما أبدا - من جَرَّاء ضحكات زملائه التي تعالت استمتاعا بمشهد ذهوله.. فضلا عن دهشته من نظرة التشفي الواضحة في عيني المعلم وقد علت محياه مخايل الانتصار.. لقد انتقم لنفسه ولكبريائه..!

الآن اتضح للجميع هدف أستاذهم من الاقتراب بهدوء من تلميذه الشارد...!!!

* * * * *


فوجئ التلاميذ بأستاذ (ماجد) وهو ينحني نحو زميلهم النائم، ثم يربت بحنان على كتفه موقظا إياه برفق ولين..
عندها انتبه الطفل من نومه؛ ليتفاجأ بمن أيقظه.. وقبل أن يعلو الخوف ملامحه، قال له معلمه بابتسامة ودود ولهجة مشفقة: هل تأخرت في النوم ليلة أمس؟
أومأ التلميذ -الذي زايله الخوف وحل محله الخجل- برأسه إيجابا، فقال له أستاذ (ماجد) -ولم تفارقه ابتسامته-: اذهب إلى الحمام واغسل وجهك بسرعة حتى لا يفوتك الشرح.

الآن اتضح للجميع هدف أستاذهم من الاقتراب بهدوء من تلميذه النائم...!!!
أستاذهم الذي قفزت أمام عينيه - أثناء سيره نحو تلميذه - ذكرى خاطفة...ذكرى لموقف حدث منذ عشرين عاما..!!!

* * * * * 


هل يعيد التاريخ نفسه؟
قطعا لا..
فنحن الذين نملك أن نجعله يفعل.. أو لا يفعل!!!

الثلاثاء، أبريل 05، 2011

28 مذكرات طالب حيوان(4): الهروب الكبير..!

الهروب الكبير..!




لا.. ليس المقصود هنا اسم ظاهرة من ظواهر الهجرة الجماعية للسردين أو سلاحف البحر التي تملأ ألغازها مراجع علم الحيوان..!! بل هي ظاهرة لم تسجلها المراجع أبدا.. ظاهرة اختصت بها كلية العلوم دون سائر الكليات..!!!!

* * * * *

عرفتَ في المرة السابقة صدمتي الأولى - أنا وأقراني - مع كليتنا الحبيبة.. عندما انفجرت في وجوهنا عاصفة المصطلحات اللاتينية والكلمات الإنجليزية التي لم نسمع بها عبر سني الدراسة كلها...
طبعا مرت الأيام الصعبة كما مرت على عشرات الدفعات من قبلنا.. وكان لزاما علينا أن ندرك حقائق هامة جدا في الحياة، وأن نتعايش مع مُسَلَّمَات لن تستقيم حياتنا - في قسم الحيوان طبعا! - من غيرها..
عرفنا مثلا أن حياتنا القادمة لن تسير إلا وقد تحولت البطن إلى abdomen بدلا من stomach.. والعنكبوت إلى arachnid بدلا من spider.. والانقسام إلى schism بدلا من split..!!! 
ولو لم نقتنع بذلك ونتعايش معه.. فلا نلومن إلا أنفسنا.. فالحياة في الخارج لن تتوقف من أجلنا ولن يتعاطف معنا بشر.. وستظل حوادث الميكروباصات تقع، ومشجعو المباريات يتعاركون، وأطباء الأسنان يتزوجون...!!!!  

* * * * *

لكن.. أليس هناك باب خلفي يمكن الهروب عبره من تلك المعمعة؟!!!
طبعا يوجد.. فكما قلتُ سابقا: ولماذا خُلقت كليات التجارة إن لم تكن للفارين من علوم؟!!!
الآن.. لك أن تفهم سبب هذا التجمع المخيف الذي يتكون في الأسبوع الأول أمام مكتب الموظفة المسئولة عن طلبات النقل، والذي من أجله تكاد الموظفة تلطم على وجهها من هذا الكم من العمل وهي تصرخ في هستيريا: "نهار أبيض.. هو انتو ماكنتوش عارفين إنتو داخلين كلية إيه"؟!!!! (رأيت رد فعلها هذا بنفسي!!!)..
لكن من حقك أن تسألني: ولماذا لم تقم أنتَ أيضا بالتحويل طالما الحل بهذه السهولة؟!
السبب هو أنني رفضتُ أن أكونَ مجرد رقم..!
نعم.. فبعد وقوفي في الطابور الطويل بضع دقائق رأيت مستقبلي بعد التحويل.. وساءني للغاية أن يقال عني: ها هو (طالب آخر) يفر من علوم.. لدينا الكثير من هؤلاء على كل حال!!!
وأنا - دعني أصارحك - أكره بشدة أن أكون مجرد (طالب آخر).. أن أكون رمزا مجهولا غير فاعلٍ في المعادلة..!!! فضلا عن مشاهدتي لمن كان أقل مني بكثير في المستوى الدراسي أيام المدرسة، وقد التحق معي بكلية العلوم، ولكنه لم يشكو، ولم يحاول الفرار...!!
قد يكون في هذا التصور نوع من الغرور وشيء من التعالي.. ربما.. لكن هكذا كان تفكيري.. وهذه كانت قناعاتي..!

وقررتُ أن أخوض التجربة ببعض الصبر.. فبالتأكيد - هذا ما أهتديتُ إليه - لستُ بدعا من آلاف الطلاب الذين يملؤون ردهات الكلية وقد تخطو أيام الشقاء الأولى.. 
وبالتأكيد ليسوا جميعا أعلى كفاءة مني أو أكثر ذكاء أو أغزر إمكانياتٍ.. إذن فتخطي الأمر ممكن.. وفي النهاية فكلية التجارة باقية ولن تذهب إلى مكان آخر...!!(1)

بالطبع لا أعني هنا الانتقاص من قدر كل شخص قام بالتحويل من الكلية، فربما كان البعض قد عرف قدراته جيدا وقيمها مبكرا.. لكن كما أسلفت: هذه قناعاتي التي حكمتني.. وهذه تجربتي الشخصية. 
وقد عرفتُ مَنْ ترك كلية العلوم (العلمية) - بعد عامين - إلى كلية دار العلوم (الأدبية) لأنه يحب اللغة العربية ويشعر أن دراستها هي الأنسب له، وبالفعل تفوق هناك وصار من الأوائل بعد أن كان هنا من الراسبين!!!  
الأمر إذن نسبي، ورغم أن كلا منا يمكنه استشارة الآخرين في تحديد مسار حياته.. لكن تبقى الحقيقة الأكيدة: أنه هو الوحيد المعني باتخاذ القرار والقادر على ذلك.. وهو الوحيد - أيضا - الذي عليه تحمل تبعات هذا القرار دون لوم أحدٍ ممن استشارهم!!

* * * * *

في نفس هذا الوقت كان طلاب قسمي يتعرضون لصدمة أخرى من نوع خاص.. كانت كفيلة بجعل الكثيرين يفكرون في ترك الكلية من جديد..!!
والقصة أن قسم (الأحياء Biology) يتفرع بدءا من السنة الثالثة إلى أربعة أقسام فرعية: علم النبات - علم الحشرات - علم الحيوان - علم التشريح والفسيولوجيا (وظائف الأعضاء).
ونظام الكلية يسمح لطلاب الفرع الأخير بالالتحاق بكلية الطب البشري بعد الانتهاء من العلوم (لتطابق مواد هذا الفرع مع المواد التي يدرسها طلاب السنتين الأولى والثانية في كلية الطب)؛ لذا كان خريج هذا الفرع يلتحق بالسنة الثالثة من الطب مباشرة.
هكذا كان قانون الكلية منذ نشأتها قبل 50 عاما تقريبا (وقت التحاقنا).. لكن هذا القانون سقط في سنة واحدة فقط.. تلك التي التحقتُ فيها بالكلية!!!!!!!
لماذا؟ لأن عميد الكلية كان مستاء من أن تكون كلية العلوم مجرد معبر لبعض الطلاب الذين يرغبون في دراسة الطب ولم يؤهلهم مجموعهم في الثانوية العامة لذلك!!!(2)
وضاعت الفرصة على الكثيرين.. لكني - صدقا - لم أكن منهم.. لأنني لم أحب يوما دراسة الطب.. لم أتقبل نفسيا أبدا - وما زلت - أن يكون الجسد البشري هو مسرح دراستي...وأن أعبث فيه بمبضع تشريح أو إبرة خياطة!!! فضلا عن حبي الحقيقي لدراسة علم الحيوان.. وهو ما ذكرته في مقدمة هذه المذكرات..!
لذا لم تشغلني هذه الصدمة التي شغلت الآخرين الذين بقي معظمهم في الكلية أملا في تغير القانون.. لكن السنة الأولى مرت دون أن يتغير القانون..
لكن صدمتهم الحقيقية كانت في السنة التالية عندما عاد القانون للتطبيق من جديد ليستمر بعد ذلك (دون أن يسري على دفعتنا!).. فقط لأن الدفعة التالية لنا كان بها عدد لا بأس به من أبناء أساتذة في كلية الطب!!!!!!!

* * * * *

الآن انتهت الصدمات.. وزالت العقبة الكؤود.. صارت الألفاظ العلمية اللاتينية مألوفة لأذني.. لا ألقى جهدا في فهمها من الدكاترة، والأدهى أنني صرت قادرا على الكتابة سريعا خلفهم بالإنجليزية الممزوجة باللاتينية..
لكن لماذا تعتقد أن الحياة في كلية العلوم صارت أكثر سلاسة وأرقى بهجةً...؟ من الساذج الذي صور لك هذا؟ أنــــا؟!
إذن عليك أن تقرأ الحلقة التالية: Run.. Lola.. Run ..!  
فإلى لقاء قريب بإذن الله.
______________
(1) تساءل بعض القراء المرة السابقة: لماذا (تجارة) وليس (زراعة) مثلا.. والسبب - في رأيي - أن كلية الزراعة لا تختلف كثيرا عن كلية العلوم في مشقتها الأولى ولا في مجال دراستها العلمي، وغالب من يحولون مسارهم عن (علوم) إنما يفرون أساسا من هذين الأمرين..!
(2) طبعا لم تكن الجامعات الخاصة قد ظهرت للوجود!!

الأحد، أبريل 03، 2011

33 مصطلحات شائعة(15): البروباجاندا

البروباجاندا Propaganda




الكلمة في الإنجليزية تعني (الدعاية).. والمقصود بها - في معناها البسيط- عرض معلومات معينة بهدف التأثير على متلقٍ مستهدَف..
لكنها واقعيا عبارة عن نشر وتوجيه مجموعة مركزة من المعلومات والرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص، اعتمادا على إعطاء معلومات كاذبة أو ناقصة للتأثير على هؤلاء الأشخاص بصورة عاطفية غير عقلانية.. والمصطلح - بهذا - مضاد للموضوعية في تقديم المعلومات..! 

* * * * *

وكان المصطلح في الأصل يشير إلى لجنة من الكاردينالات تأسست في فترة مبكرة من القرن السابع عشر الميلادي بواسطة الكنيسة الكاثوليكية للإشراف على تدريب القساوسة على العمل في البعثات الخارجية(1). وعندما قامت الثورة الفرنسية وامتلكت الصحافة خلالها سلطة جبارة في التأثير على الجماهير، دفع ذلك السياسيين لاستخدامها كوسيلة أساسية في صراعاتهم السياسية..!
لكن ظهور المصطلح حديثا بشقه السياسي كان في الحرب العالمية الأولى؛ حيث أسس الرئيس الأمريكي (ويلسون) لجنة دعائية تعمل لصالح سياسات الحكومة ضمت كبار المفكرين والمنظِّرين الأكاديميين، كما تأسست في بريطانيا وزارة للدعاية مهمتها تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان. وبالطبع استخدم الشيوعيون البروباجاندا - بمعناها التحريضي - لهدم الأفكار "البرجوازية"(2) ونشر الأفكار "الاشتراكية".

* * * * * 

ومن أجل أن "البروباجاندا" تمثل سلاحا لا يُستهان به في توجيه الجماهير الغفيرة؛ فكان من الطبيعي أن تُسخر لها دائما كافة وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة لإذاعة الأفكار أو الشائعات التي تؤيد - أو تناهض - شخصا أو مجموعةً أو حركةً أو معتقدا أو مؤسسةً أو أمةً، و- من ثم - توجه أفكار وقرارات الناس السياسية والاجتماعية والدينية في اتجاه معين يريده المسيطر على تلك الوسائل.. كل ذلك بأساليب نفسية (سيكولوجية) عديدة، من أهمها:
القولبة والتنميط - تسمية الأشياء بغير أسمائها - إطلاق الشعارات الرنانة - التكرار الملح - الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاءات- الاستفادة من الشخصيات اللامعة - (التظاهر) بمنح فرص الحوار والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات - فرض المعلومة والتأكيد عليها بدلا من المناقشة والبرهنة - (ادعاء) الموضوعية...!(3)

* * * * *

ومن الجدير بالذكر أن الأعمال الأدبية والدرامية كثيرا ما تُوجَّه إلى الدعوة إلى مبادئ أو مذاهب معينة، إلا أن معظم النقاد والقراء يهاجموا مثل تلك الأعمال الدعائية لأنها مباشِرَة لا تهتم بالجانب الفني وغالبا ما تكون سطحية، وقد عرف الأدب العربي - وكذلك السينما المصرية - في خمسينيات وستينيات القرن السابق بعض الأعمال الدعائية التي تنادي بـ"الاشتراكية" و"القومية" بطريقة مباشرة فجة..!!!
_________________
(1) أصل الكلمة أتى من اللاتينية "كونغريجاتيو دي بروباجاندا فيدي" التي تعني (مجمع نشر الإيمان)، وهو ذلك الذي أنشِئ عام 1622م لنشر الكاثوليكية في الأقاليم.
(2) انظر مصطلح "البرجوازية" في هذه المدونة.
(3) راجع - إن شئت - مصطلح "غسيل المخ" في هذه المدونة؛ ففيه مزيد من التفصيل لمثل هذه الأساليب.

الجمعة، أبريل 01، 2011

28 عبارات هوليودية(6): هلا.. تحيا من جديد؟!


عبارات هوليودية (6)
"هي عبارات جذبتني؛ لأنها أوجزت حقيقة من حقائق حياتي التي أعيشها.. أو -على الأقل- مست شيئا ما بداخلي.. لكنها ليست عبارات مما قرأت، بل عبارات من... هوليوود"
_______________

هلا.. تحيا من جديد؟!



"هلا تُوقِف الصورة مرة واحدة أثناء اليوم وتنظر إليها قائلا: هذه ليست حياتي!"
[البطل طالبا من المنتج أن يغير نمط برنامجه الذي استمر عليه أعواما عديدة، في فيلم: Mrs. Dubtfire].

أقولها لنفسي ولكل من تغلب النمطية على حياته:

هلا تخرج عن المألوف..؟

هلا تتعلم مهارة جديدة..؟

هلا تحيي هواية قديمة..؟

هلا تغير نمط ملبسك ومأكلك..؟

هلا تزور مناطق أو بلدان أخرى..؟

هلا تجدد الدماء في علاقاتك مع الآخرين..؟

هلا تعيد اكتشاف شريك حياتك..؟

هلا..... تحيا من جديد..؟